وأد البنين

الصفحة الاخيرة 2021/06/22
...

حسن العاني 
ربما بخلاف الأمم والشعوب جميعاً، تميز العرب بنوع من الكرم المفرط، حتى انهم يؤثرون الجار والصديق والمحتاج على انفسهم، ولو كانت بهم خصاصة، على أن اكرام المرأة بلغ عندهم حداً فاق المعقول، حتى أصبحت الكائن المدلل الذي لا يُردُّ له طلب ولا يعصى امر، بل بلغ الاعتزاز ان الموسر والفقير منهم على حد سواء يجمع في عصمته زوجتين وثلاثاً واربعاً، ولو كانت في الشرع رخصة لضاعف العدد حباً وتقديراً للمرأة!.
ولعلهم في موقفهم (الإنساني) هذا يكفرون عن خطيئة قديمة يوم كانوا يدفنون صغيراتهم وهن على قيد الحياة، ويوم كان الواحد منهم يصاب بتهيج القولون اذا بشر بالأنثى، وما كانوا ليتوقفوا عن (عادة) إبادة الجنس الانثوي، لولا ذلك السؤال القاسي الذي واجههم به القرآن الكريم، مستنكراً ومنبهاً ومحذراً من وأد البنات!.
وأياً كان الامر، فان ذلك النفر القليل من العرب الذين مارسوا الوأد، قد ثابوا الى رشدهم واستغفروا ربهم، وانتهى كل شيء منذ اكثر من 14 قرناً، ونالت المرأة من الحقوق أكثر مما ناله الرجل، وأصبحت تحتفل بعيدها العالمي وبعيد الام، كما أصبحت لها منظمات واتحادات وروابط، جميعها متفرغة لخدمتها، في حين لا يمتلك الرجال عيداً ولا مناسبة ولا رابطة، ومع ذلك لا يكاد يمر شهر من دون تظاهرة نسوية تطالب بحقوق المرأة، وتدعو الله في السر والعلن أن يقصر اعمار الرجال!.
خرائط العالم السياسية والجغرافية والعلمية والاجتماعية والثقافية تطورت او تغيرت بالكامل الا خارطة العرب عامة واهل العراق خاصة - من تدليل المرأة والمبالغة في تدليلها - ثابتة لم تتبدل او تتغير او يمسها شيء من التطور، وكأن التكفير عن الذنب القديم صار بعضاً من التركيبة البايولوجية لدمائهم، وليس أدل على ذلك من انهم حتى يومنا هذا، لا يزوجون بناتهم الا بعد أن يقيموا الدنيا ولا يقعدونها، وليس ادل على ذلك، من انهم يطلبون لها مهراً وبدلات عرس وذهباً ونادياً وعشاء وفندقاً وزفة وفرقة موسيقية و .. و .. وانه والله وأد لعافية (الأولاد) وجيوبهم وراحتهم دونه وأد (البنات)، فهل هي عودة الى الجاهلية، ام انها جاهلية العصر الحديث؟.