عبدالزهرة محمد الهنداوي
أعتقد أن ثمة سببين يقفان وراء عزوف الشباب عن العمل في القطاع الخاص، وتفضيلهم الوظيفة الحكومية.
السبب الاول، هو غياب الضمانات في الكثير من فعاليات القطاع الخاص، أما الذين يعملون في القطاع الحكومي، فحقوقهم مضمونة، وهذه الحقوق تأتيهم كاملة ولا علاقة لها بانتاجية الموظف. أما السبب الثاني، الذي يقف وراء حالة عزوف الشباب عن العمل في القطاع الخاص، وهو الأهم، فأعتقد أنه يرتبط بالمهارات التي يمتلكونها، فغالبية الشباب الذين يتخرجون من الجامعات، يدخلون الى سوق العمل، وهم خام، اي لا يتوافرون على اي مهارات، تؤهلهم لاشغال فرص العمل المتوفرة، ولان القطاع الخاص، يسعى الى الربحية، وهذا منطق سليم، فإنه غير مستعد، لتشغيل غير الماهرين، لاسيما مع ارتفاع مستويات الأجور.
وعدم توافر الشباب على المهارات، ليس ذنبهم بكل تأكيد، انما يعود السبب الى غياب الاهتمام، بالجوانب التطويرية والمهنية في الدراسة الجامعية، التي تعتمد على التدريب من أجل اكتساب المهارات الفنية، وفي ذات الوقت وعلى مستوى الاعداديات المهنية، والمعاهد التقنية، يؤشر تراجع الاهتمام بالتدريب على المهن الاساسية.
وهذا الغياب يعود بطبيعة الحال الى عدم وجود محفزات او مغريات تدفع الطالب الى التقديم على هذا النوع من الدراسة، مع ارتفاع مستوى الجانب الاعتباري، كقيمة اجتماعية، لدى الاسر عندما تدفع بأبنائها الى الدراسة الجامعية، وخصوصا في بعض الاختصاصات مثل الطب والهندسة وغيرها، لدرجة ان الناس بدأت تفضل ان ترسل اولادها الى الدراسة في الكليات الاهلية وبكلفة مالية عالية، قد لاتتناسب مع قدرات الأسرة الاقتصادية، ولا ترسلهم الى الدراسة في هذا المعهد او تلك الاعدادية المهنية.
وفي ظل سيادة الاقتصاد الحر، وعدم امكانية المؤسسات الحكومية على توفير المزيد من الوظائف، ومع تزايد اعداد الشباب المتخرجين من الجامعات سنويا، فإن الامر يتطلب التوقف عن هذه القضية، والتفكير الجدي، بضرورة تغيير المسارات السابقة، وتوجيهها وفق متطلبات سوق العمل العراقية، التي باتت تلك المتطلبات مختلفة، مع بروز ملامح هيمنة القطاع الخاص على هذه السوق، والمعالجة تقتضي، ايلاء الجوانب العملية في الدراسة بجميع مراحلها واختصاصاتها، اهتماما استثنائيا، كما هو عليه الحال في الغرب، واليابان وكوريا وبلدان أخرى، إذ يتم زج الطلبة بتدريب عملي في الشركات العملاقة والمتوسطة والصغيرة، منذ المراحل الاولى للدراسة، وخلال مرحلة التدريب هذه، تتم متابعة ومراقبة الطلبة، لمعرفة في أي المجالات يتميزون، وتقوم بعض تلك الشركات، بالتعاقد مع الطلبة المتميزين، قبل تخرجهم من الجامعة، وتتحمّل نفقات دراستهم، وعندما يتخرج الطالب، فإن فرصة العمل ستكون بانتظاره، لانه سيكون قادرا على إشغالها بكل جدارة، وبشروطه هو لا بشروط صاحب العمل.