الجزء الطافي من جبل الجليد

الصفحة الاخيرة 2021/06/23
...

 رضا المحمداوي 
 
ثمَّة ظاهرة فنيَّة برزَتْ مؤخراً ويمكنُ تشخيصها والإشارة اليها نقدياً على نحو واضح ودقيق، وتَجسّدتْ لنا في استسهال التعامل مع الفكرة والإخراج الفني لها، وخاصة في الإنتاج البرامجي والدرامي التلفزيوني، وقد اخذَ هذا الجزء الطافي من جبل الجليد بالظهور تدريجياً حتى اصبح ملمحاً بارزاً في حياتنا الفنية. وكأيّة ظاهرة اخرى لا يمكن لها أن تنشأ وتتكون وتولد في الفراغ، فانَّ هذا الاستسهال يعودُ الى جهات الإنتاج نفسها والتي تتَمَثّلُ لنا في القنوات الفضائية العراقية بجميع عناوينها.
فوراء كلّ عمل فني تقف جهة مُمَوّلة أو مُنتِجة، ولُبّ الفكرة والتخطيط لإنتاجها والمُحرِّك الأساس لها يكمنُ في تلك الجهة، وبهذا الصدد يمكنُ التساؤل:
- هل تعي تلك القنوات خطورة ما تقدُّمهُ من محمول ثقافي وفكري؟، أَمْ انها تعاني من قصور في الرؤية؟.
- وهل تُدركُ الإدارات الإنتاجية حجم ما يقع عليها من مسؤوليات اعلامية مُهّمة وخطيرة ذات تأثيرات اجتماعية وإمتدادات جماهيرية واسعة من خلال تقديمها العمل الفني وما ينطوي عليه من فائدة ومنفعة وطرح معرفي وثقافي، فضلاً عمَّا يَتمتّعُ به ذلك العمل من تسلية وترفيه ووسائل جذب اخرى؟.
في المنظور العام يَتَوَجّبُ على القنوات الفضائية انْ تدرك أوّلاً أنها ازاء انتاج ثقافي، ذلك لأنَّ عملية الإنتاج الفني هي بالإساس عملية انتاج ثقافي عام، فالثقافة بمفهومها الجديد بعد هذا الانفتاح المعرفي والمعلوماتي قد غادرتْ  معناها وتعريفها الكلاسيكي الذي كان يُعبَّرُ عنهُ لدينا بواسطة كِتاب معروض على ارصفة شارع المتنبي، وقارئ منفرد في غرفة منعزلة، وكذلك عادتْ الفنون قاطبة وخاصة المرئية بطابعها الجماهيري الى مرجعيتها الثقافية. 
ومن هنا يأتي التأكيد على المنحى او الهوية الثقافية للأعمال الفنية التي تنتجُها القنوات الفضائية، ومدى ما يشكلّهُ الوعي والإدراك من اهمية وخطورة لهذا الشعور بالمسؤولية لما تتركُهُ من تداعيات وتأثيرات مجتمعية، وتقفُ الأنواع الدرامية التي تنتجُها القنوات الفضائية مثالاً على هذه الجزئية من الظاهرة الفنية التي اشرت اليها.