كتب غيّرت وجه العالم

ثقافة 2021/06/26
...

  البصرة: صفاء ذياب
 
يشير الكاتب روبرت ب. داونز في كتابه (كتب غيّرت وجه العالم) الصادر مؤخّراً عن دار قناديل في بغداد، إلى أن كثيراً ما توهّم الناس أن الكتب ليست إلا أدوات جوفاء صمّاء لا يخشى منها خطر؛ لأنَّ مكانها في خزائن البيع وأروقة الديورة الظليلة، حيث يكتنفها سكون الدرس وهدوء العلم، أو في مكتبات الجامعات أو سواها من البقاء المنقطعة عن دنيا الناس، تلك الدنيا المادية الآثمة. 
وكان من أثر ذلك التوهّم أن ساد الاعتقاد بأن الكتب لا تحوي غير الآراء النظرية التي لا يمكن إخراجها إلى حيّز العمل، ولهذا لا يكاد ينتفع بها أيُّ رجل مجرّب من رجال العمال الصارمين.
ويضيف داونز في مقدمة كتابه: بينما نرى الرجل الفطري في أدغال الغاب ينحني في خشوع أمام الكلمة المكتوبة، لاعتقاده بقوّتها الخارقة. 
موضحاً في ما بعد بأن التاريخ أقام مراراً وتكراراً الدليل على أن الكتب ليست كما يظن في تفاهتها وانعدام تأثيرها، بل أثبت- على النقيض- أنها تنطوي على قوّة هائلة، وأنّها مخلوقات ذات حيوية عظيمة قادرة على تحويل مجرى التاريخ تحويلاً تاماً، وأنّها تّوجّه إلى الخير أحياناً أو إلى الشر أحياناً 
أخرى. وفي مقدمته للطبعة العربية، يكشف مترجم الكتاب أحمد صادق، عن أن الكتاب ارتكز في الاختيار على ثلاثة شروط: إذ استبعد أولاً الكتب السماوية والدينية، ثم حصر الاختيار في فترة معيّنة من الزمن تمتد إلى أربعة قرون من عصر النهضة الأوروبية حتى القرن العشرين، والشرط الأخير أن يكون الكتاب قد أحدث تأثيراً عالمياً وتخطّى حدود وطنه، وانتشرت مبادئه بين أمم أخرى.
وبسبب هذه الشروط، اقتصر الاختيار على كتب العلوم، والعلوم الاجتماعية والسياسية التي فتحت آفاقاً جديدة أمام العقل البشري، واتبع في تلخيصها منهجاً أبرز به الفكرة الأساسية التي يدور حولها الكتاب، ثم الظروف والأحوال التي أحاطت بتأليفه، ثم آراء النقاد المعاصرين للكتاب وتعليقات الصحف والمجلات عليه، ثم مكانة الكاتب والكتاب في عصرنا الحالي.
كما حرص المؤلف في كل عرض لكتاب ما ترجمة صاحب الكتاب، مهتماً بأمرين: النشأة الأولى، والقدر الذي حصل عليه من التربية والثقافة، واستخلص منهما صورة حية جذّابة لشخصية المؤلّف والظروف التي كوّنت مقوّمات تلك الشخصية وشكّلتها بالشكل الذي تأثّر به العالم.
وعن أهم الكتب التي تختارها المؤلف، يبين أن أظهر الكتب أثراً وأبرزها مكانة هي كتب الرحلات والأسفار التي فتحت آفاقاً جديدة أمام الإنسان، ووسعت معارفه بعالمه منذ عهد ماركو بولو، إذ كشف ذلك الرحالة في 
القرن الثالث عشر لشعوب أوروبا، عن ذخائر الشرق المجهول بنشر مؤلّف عجيب قص فيه مغامراته وكشوفه.
وإذا أردنا عمل جرد عن أهم الكتب التي تناولها داونز في كتابه، فهي: الأمير (مكيافيللي)، العقل السليم (توماس بين)، ثروة الأمم (آدم سميث)، مقال في قواعد ازدياد السكان (توماس مالتس)، العصيان 
المدني (هنري دافيد ثورو)، كوخ العم توم (هاربيت بيتشر آستو)، رأس المال (كارل ماركس)، القوة 
الجوية وأثرها في التاريخ (الفرد د. ميهان)، المركز الجغرافي للتاريخ (السير هالفورد ج. ماكندر)، كفاحي (إدولف هتلر)، حركة الأجرام السماوية 
(نقولا كوبرنيق)، حركة القلب والدورة الدموية (وليم هارفي)، القواعد الرياضية (سير إيزاك نيوتن)، أصل الأنواع (تشارلس داروين)، تفسير الأحلام (سيغموند فرويد)، النسبية: نظرياتها الخاصة والعامة (ألبرت أينشتاين).
ويرى داونز أن التأثير الاجتماعي لكتب العلوم لم يكن أقل من تأثير كتب العلوم الاجتماعية، أما كتاب السيدة أستو (كوخ العم توم)، فعلى الرغم من أنه مصاغ في قالب قصة روائية، فإنه يتعبر من كل الوجوه وثيقة مهمة من الوثائق الاجتماعية.
وعندما ينظر الإنسان في هذه الكتب الستة عشر، وكلها كتب تكمن فيها قوى خطيرة يدور بخلده سؤال حائر: تُرى هل خلقت الظروفُ الكتابَ أو أنَّ الكتاب هو الذي خلق الظروف؟ وهل كان تأثير الكتاب عظيماً، لأنَّ الجيل كان مستعداً لتقبّله؟ وهل يكون الكتاب ذا أهمية مماثلة في عصر غير عصره؟ وهل كان من الجائز ألاّ يكتب الكتاب في زمان غير زمانه.
هذه الأسئلة وغيرها، يجيب عليها داونز في كتابه الذي تجاوزت عدد صفحات 336 صفحة من القطع 
المتوسط.