الثقافة من أجل التغيير

الصفحة الاخيرة 2021/06/26
...

جواد علي كسار
لا ريب أن للثقافة دورها وللفكر مكانته ومرتبته التي تسبق العمل. فلا عمل من دون نظر وفكر، صائباً كان العمل أو خائباً، ولا نقاش في أن الفكر والنظر هما الشرطان اللذان يسبقان العمل ويتقدّمان عليه، وما من حركة إلا ويحتاج فيها الإنسان إلى معرفة كما في الحديث الشريف، لكن مجرد توفير الفكر السليم لا يعني تحوّلاً إيجابياً فعالاً في الواقع، إنما يحتاج الفكر إلى شروط أخرى تمنحه الفاعلية، كما إنه يخضع لمؤثرات موضوعية من داخل بيئة المجتمع أو من خارجه يمكن أن تشل فاعليته.
لذلك لامناص من ربط الفكر ووصله بالواقع عبر منحه وظيفة تغيرية في حياة الناس. ولا يحصل ذلك إلاّ بتهيئة مستلزمات من بينها مؤسّسات وحركات وناس يحملون الفكر، والفكر التغيري العام يحتاج إلى طاقة تفوق طاقة المؤسّسات والحركات المحلية المحدودة، إذ يحتاج إلى دولة تتبنّاه، تؤمن به وتحميه وتبني هياكلها على أساسه، وإلى قاعدة جماهيرية تحمله، تتفاعل معه عقلياً وشعورياً، بحيث تحسّ أن إدراكها العقلي الخاص، هو جزء من الفكر المتمحور في وجود الدولة.
على أساس ذلك لا يكفي أن نقول، إن بتغيير الثقافة والفكر وحدهما يتغير الواقع 
تلقائياً. 
فالتغيير عملية مركبة لا تخضع لعامل واحد حتى لو كان بأهمية العامل الفكري. الصحيح أن نقول إن للفكر شرطاً في التغيير، وعنصرا لا بدّ منه، تظهر فاعليته إذا كان يعبّر عن المكوّنات العقلية والشعورية لما يعتقد به المجتمع ويؤمن به، وتبدو آثاره إذا تحرك بمعية العناصر الأخرى.
من هنا فإنّ إبداع الفكر وملء بطون الكتب منه، وإيجاد البدائل النظرية لما هو سائد في الواقع، لا يغني وحده أبداً في زحزحة الواقع إيجاباً، هذا إن لم يؤثر به سلباً عبر إشاعة حالة المقت، التي تأتي من عمق المفارقة بين الفكر الصحيح والواقع الخاطئ.
في الاتجاه نفسه نفهم سبب إخفاق المشاريع النقدية 
التي سادت المحيط العربي ـ الإسلامي منذ أكثر من مئة عام، فهي رغم ما تتسلح به من مناهج محكمة أحياناً ونظر عميق، إلاّ أنها تنسج حول نفسها أفكاراً مفصولة عن الواقع، معزولة عمّا يحرّك الناس فعلا، فتذوى وتتلاشى وتختنق داخل الشرنقة التي أحاطت بها نفسها.