كرافيكيات منسيّة.. شواهد حياة

ثقافة 2021/06/28
...

  حبيب السامر
 
في منطقة نظران البصرية.. تطالعك البيوت التراثية بطرازها الشناشيلي الذي يجذب الزائر، ويلفت نظره بالمعمار الخشبي في الواجهات بزجاجها الملون، والنقوش البارزة على شبابيكها، عبر شارع يحاذي مدينة البصرة القديمة، تتوزع البيوتات التي تضم المجموعة الثقافية في المدينة، ومن بينها جمعية التشكيليين العراقيين في البصرة، يوصلك اليها من الشارع الضيق، الجسر الخشبي بمساند قديمة، تبهرك بنشاطها المتنوع وانفتاحها على التجارب الإبداعية المتعددة، بمختلف توجهاتها ومدارسها الفنية.
 اشتغالات مغايرة بأنماط متنوعة تعتمد في خاماتها على الأحبار وقلم الرصاص، وأحيانا يفرش الزيت على لوحاتها كمادة لخلق عوالمها التي تتخذ من النظرات لعيون مختلفة مادة رئيسة لأعماله في انتاج تعبيرات تتوزع في عمله الفني الذي يعده مبتكرا، ثم يتناول الألوان المائية والزنكراف والاكريليك ليفاجئ المتلقي بدلالات عميقة في خطابه المنقوش لبعض شخوصه التي تجذبك بوجوهها التي تريد أن تقول لك شيئا.. نحاول أن نتعمق أكثر لنكتشف الروح الانسانية الواضحة في خطابه المتجدد، ثم يتعدى ذلك ليمنحنا سمات دلالية وهو يستخدم التخطيطات والمونوتايب وألوان الباستيل الطباشيري ومواد أخرى.
ولو تعمقنا أكثر في مدلولات هذا الفن نجده يتعامل في معالجة السطوح الخشنة المعدنية، أو الحجرية، أو ما يوازيها من مواد بطرق مختلفة تتمثل بالحفر مستخدما الأزاميل والأحماض ووسائل فنية أخرى تساعده على إتقان اللقطة المحفورة تاركاً تأثيرات فنية من خلال عملية الطباعة وأشكالها التي يتعامل معها الفنان وفقا لنوع السطوح الأخرى لأعماله باختلاف مادتها، إذ يعتقد أن الانسان البدائي هو أول من تعامل مع فن الحفر والخدوش على جدران الكهوف التي كان يقطنها.
وتشكل كلمات القاص محمد خضير أيقونة إبداعية: «بعد زمن طويل ستصبح المحفورة دالة على حافرها، بل شاهداً على تشبّث الأصابع بعمق سطحها المخدَّش. فجُرحها وتخدّشها حدثان أصليان، ودلالتان عميقتان على أصابع الواقع التي تشبثت بعنق الفنان وخدشَتْه بعلامات زمنها الوحشي وعسكريّيه الأجلاف».
الفنان مهدي الحلفي يحاول أن يستعيد الوعي الفني التشكيلي الكرافيكي عبر مروياته الفنية التي توزعت بعناية وذوق فني، هناك بورتريت (الراقصة الإسبانية) التي رسمها في مدريد العاصمة الاسبانية كانت ضمن اللوحات المشاركة في معرضه الشخصي، لوحة أخرى استخدم فيها قلم الرصاص (فتاة القطار) وهذه اللوحة رسمها خلال سفره بقطار البصرة الصاعد الى بغداد لفتاة نائمة في القطار، ثم تتوالى اللوحات المعلقة على جداريات الجمعية التي اعتمد في انتاجها على الطباعة المباشرة بألوان حبر الأوفسيت، كرافيك، كولاج بتقنيات دلالية مبهرة.
الناقد التشكيلي خالد خضير شخّص ملامح الأعمال: “الوجوه التي يتخذها مهدي الحلفي حقلا يحرث فيه تجاربه لا تتم معالجتها فقط بتنوعات شكلية، وإنما بتنوعات للمادة المستخدمة، وبذلك تدخل المادة المستخدمة عنصرا متعينا في إنتاج الدلالة الـ (مادية/تعبيرية) للعمل الفني».
يعد الحلفي من الفنانين المميزين في فن التخطيط والطبع والحفر، لذا حاول استعادة ذاكرته المكتنزة بعناصر نشاطه الفني وتعاضده الرؤى المتناسقة والأفكار المتداخلة ليخلق منها علامات مهمة تتسم بالجمالية والمشاهدات اليومية التي تصادفه لتدخل في وعاء الخزن الفني، وها هو يرشحها عوالم مستعادة بالمواقف الحياتية.  
أما الفنان هاشم تايه فقد نوه إلى أهمية هذا الفن: “تنبع أهمية أعمال هذا المعرض من إعادتها التذكير بهذا الفنّ الطباعيّ الذي نوشك على فقدانه، إذ قلما نجد تمثيلاته في معارض فنانينا رغم حيويّته الفائقة في تطمين حاجات فنيّة وعمليّة متنوعة، ناهيك عن إمكانية حصد استجابته السريعة للحدث الآنيّ، وإشاعة نماذجه بيسر، وتوسيع فرص اقتنائها في مديات أوسع».
من هنا نجد أن الفن الكرافيكي سطعت لوحاته على يد الحلفي بطرق متعددة تترجم البعد الإنساني بلقطات رسمها في مخيلته ليترجمها في معرض يشتمل على أربعين لوحة استخدم فيها أساليب عديدة وبوسائل ووسائط فنية 
جميلة.