سلام بائعة الورد

ثقافة 2021/06/28
...

  شكر حاجم الصالحي 
اتشحت أيامنا بالسواد والدماء والدموع، إذ طحنتنا حروب وحصارات ومجاعات وأحالت هناءاتنا الى مراثٍ وبكائيات ولافتات نعي وصور شهداء تضيء أعمدة الكهرباء المطفأة تلعن قاتليها ومشعلي مسلسلات الفجائع المتعاقبة
وصار العراقي لا يحلم إلا برغيف خبز وحياة آمنة خالية من المصائب والأرامل واليتامى، لا يريد ان يدر عليه نفطه النعيم كما يحصل في بلدان الجوار، لكنه يريد عيشاً كريماً وهذه هي أعلى طموحاته وأقل ما يستحق من حقوق مُستلبة. 
وفي خضم هذه الأجواء الكارثية تجده يحلم بالسلام بعد ان أغرقته الحروب بالحرمان والأسى.
وحسين نهابة الشاعر والمترجم العراقي كان واحداً من الباحثين عن غدٍ أفضل ووطن معافى، فجاء نصه (سلام بائعة الورد) تعبيراً عن أبسط أمانيه المغيّبة، إذ أبدع في انتاج نص يفيض عذوبة وانسانية ناشداً أن يعم السلام الربوع وتطوى صفحات الألم والخسارات، وان تعود الحياة الى طبيعتها وناسها يرفلون بالأمن والأمان.. فهو الحالم على الدوام: (ما زلت احلم بالسلام/ وكل الحروب تقود الى الجحيم/ بسلام لمحته مرة/ في عيون طفلة تبتسم/ وهي تعرض عليّ/ أن اشتري منها وردة/ أو علكة). 
إنها أحلام مشروعة وبسيطة يفترض تحقيقها في وطن كالعراق، ولكن نهابة يشير من طرف خفيّ الى واقع ملتبس فهو يرى السلام في عيون الصغيرة التي تبيع الورد و(العلكة) في التقاطعات المرورية، دلالة على فقرها في بلد نفطي، يكفي اشباع الجميع من خيراته المُنتهبة، ويظل هاجس نهابة السلام الذي يقول عنه: (السلام عرفته/ يوم كانت الصواريخ/ تمطر سماء بغداد/ إعلانا عن حرب جديدة).
هل توقفت الحرب يوماً في حياتنا حتى ينتظر الشاعر حرباً جديدة؟ كانت (حرب تلد أخرى) حسب رأي أحدهم، وهو رأي صائب ومُقنع كما ارى، ولكن اية صواريخ كانت تغطي سماء المحروسة بغداد. هنا أجد أن نهابة يدرك مصدر هذه الصواريخ القاتلة المُدمرة ولكنه يغض النظر عن تسمية مصدرها ومرتكبي حماقاتها ومجازرها، إنه يفكر بصوت عالٍ ليدين الخراب الذي تخلّفه الحروب، فمن 
خلال نيرانها فقدنا الأهل والمال وشواهد التقدم التي انجزتها سواعد وعقول العراقيين في سنوات البذل والصبر والصمود. 
ويمضي الشاعر في وضوح رؤيته، إذ يقرن السلام ببهجة العصافير وازدهار الحقول واحتفالات حصاد الغلال الفائضة: (السلام أبصرته/ حين فاض الفرات/ على حقول الحنطة المجاور/ فابتهجت العصافير/ وغنت كرنفال حصاد الجوع قبل الأوان).  
هكذا يرى الشاعر الحياة الآمنة مقترنة بوفرة العطاء وانتشاء الصدور 
بالفرح والرغيف والبهجة الآمنة، وهذا هو شعور العراقي الحريص على وطنه الذائد عن حياضه المعبّر عن رغبات 
أبنائه، لكن الشاعر رغم كل هذا الشعور النبيل مازال خائفا مما تخبئه 
الأيام لهذا الوطن فيواصل حلمه المشروع محذراً:
(ما زلت أحلم بالسلام/ وبالطمأنينة التي كانت/ تسودنا لحظة الوداع/ مستكينين الى لقاءٍ قريب/ في غدٍ سيأتي/ دون ان يكدّره خاطر حرب/ نعرف انها في لحظة ما ستقوم).
فهاجس الحرب مازال يطرق الشغاف رغم كل الامنيات، ومَن هو الضامن لنا بأن لا نكون ضحية حرب (ستقوم) كما يكشف عن مخبوءات نصه هذا الشاعر. ومهما تكن النتائج والتوقعات، فقد أبدع نهابة في (سلام بائعة الورد) أحد نصوص ديوانه فجر التعاويذ الصادر عن مؤسسة بداية في القاهرة. وبهذا النص المُحتشد بالأمنيات الجميلة، يكون قد وجه لطمة قوية لتجار الحروب ومُشعلي الدمار وقاتلي الشعوب المطمئنة الباحثة عن حاضر ومستقبل يليق ببني البشر.