الانحلال الاجتماعي

آراء 2021/06/29
...

     ريسان الخزعلي
 
في عالم اليوم  هنالك، مجتمعات  توصف بقوّة تماسكها الإجتماعي، كما يوصف البعض منها  بضعف هذا التماسك. ومثل هذا التباين يعود لأسباب مختلفة: سياسية، اقتصادية، تاريخية، طبقية، وغيرها.
والإنحلال أو التفسخ الاجتماعي، كما يُعرّفهُ علماء الاجتماع، وفي مقدمتهم العالم الفرنسي (دور كهايم)  هو أنماط العلاقات الاجتماعية، التي لا تتوفر فيها العوامل والظروف الضرورية التي تُحقق السعادة والرخاء والطمأنينة للإنسان.
إن رخاء وسعادة الإنسان من الناحية الاجتماعية، لا يتحققان إلّا  عندما يكون السلوك البشري منسجماً مع المقاييس والاشتراطات التي يضعها ويسير عليها المجتمع، شرط أن تكون هذه المقاييس نظاماً متكاملاً خالياً من الصراع والتناقضات والتمييز.
يظهر الانحلال أو التفسخ الاجتماعي في المجتمع، أي مجتمع، عند وجود  مقاييس كثيرة، متناقضة أو متباينة، إذ يؤثر هذا التناقض أو التباين  تأثيراً سلبياً في سلوكية الأفراد،  كون هذه المقاييس غير متكاملة ومشوشّة، ومن ثم لا يستطيع الإنسان من خلالها تكوين وإقامة  علاقات اجتماعية/ أخلاقيّة عالية الوصف مع الآخرين، وبالتالي سيفقد الوصول إلى حالة الطمأنينة والسعادة الاجتماعيتين.
إن َّ المقاييس في المجتمعات  المستقرّة المتحضرة والمتمدينة تختلف كثيراً عن تلك التي في المجتمعات، والتي لا تسعى لتحقيق المدنية في الحياة العامة. في المجتمعات من النمط  الأول، تكون المقاييس قد جاءت بفعل أنظمة وقوانين عصرية مدنية مدروسة وضعتها السلطة التي تُدير المجتمع، وهي سلطة أملتها حاجة المجتمع وباختيار ديمقراطي يضع المهنية والكفاءة والإخلاص، والنظرة  المتوازنة/ العادلة إلى كل أطياف المجتمع، من أساسيات الاختيار. وهكذا وبفعل هذه المحددات،  ستضعف عوامل الإنحلال  ويعلو التماسك الاجتماعي. 
أما في المجتمعات من النمط الثاني، وبخاصة عندما تكون السلطة لا تتمتع بمزايا الاختيار الديمقراطي ولا يشغلها بناء دولة مدنية، ويكون الفرض القسري من سماتها في الوصول إلى الحكم، عندئذ لا تستطيع هذه السلطة وضع مقاييس  اجتماعية عادلة تشمل الجميع، حيث سينشط العامل الاجتماعي الهامشي من خارج السلطة، وهو هامش معتد بمتبنيات وأعراف قديمة تُمثلّه فقط، ولا تتواشج أو تنسجم مع اشتراطات المدنية، وسيقف عائقاً أمام أية خطوة مدنية تعارض أعرافه وأصولياته، ومن هنا يحصل التقاطع أو التباعد مع الآخر ذي التطلّع المدني، وتنشط عوامل الانحلال الاجتماعي بين أفراد المجتمع. وفي الخُلاصة العراقية، كم نحن بحاجة إلى 
التماسك؟.