سيمون دي بوفوار في مراسيم الوداع

ثقافة 2021/06/29
...

 مآب عامر
 
في كتابها (مراسيم الوداع – حوارات مع جان بول سارتر)، ترجمة الدكتور قاسم المقداد، تقدم لنا الكاتبة والمفكرة الفرنسية والفيلسوفة النسوية سيمون إرنستين- لوسي ماري برتراند دي بوفوار (1908-1986) السنوات العشر الأخيرة من حياة الفيلسوف الوجودي والروائي والكاتب المسرحي والناقد جان بول سارتر عبر حوارات شخصية صريحة كانت تحدث بينهما. 
فتبدأ بوفوار عبر صفحات الكتاب بسرد ذكرياتها مع سارتر خلال العشر سنوات الأخير، ومشاركاته السياسية وعمله وصداقاته وحتى حالته الصحية، فتقول: (كان سارتر، مع ذلك، يتنزه في سويسرا، وفي بعض الأحيان تصلني برقية تُطمئنني بأن حاله على ما يرام. لكن ما أن وصلت روما، حيث ينبغي أن يلتحق بي، وجدت رسالة من آرليت، مفادها أن صحة سارتر ساءت في الخامس عشر من تموز، كان في المرة الأولى. وهو ما لاحظته عند الاستيقاظ كان فمه أكثر اعوجاجاً مما كان عليه في شهر أيار. ونطقه أكثر تعثرا، وفقدت ذراعه الإحساس بالبرودة أو السخونة، صحبته إلى طبيب من بيرن، ومنعها سارتر بشدة من اخباري، مرت هذه الأزمة بعد ثلاث أيام لكنها اتصلت هاتفيا بزيدمان الذي قال لها إن سبب مثل هذه التشنجات يعود إلى أن شرايينه متعبة).  
الجزء الثاني من الكتاب عبارة عن محادثة بين سارتر ودي بوفوار حول حياته وعمله ومشاريعه الفكرية. يتحدث سارتر، بوضوح ومن دون قيود عن أصول فلسفته والخلاص والخلود والوجود والعدم وإلهام رواياته والقناعة الكامنة وراء كتاباته وأنشطته، ويقول: (حينما أكتب في الفلسفة لا أستخدم المسودات. بينما في العادة أكتب سبع أو ثمان مسودات. سبع أو ثماني قطع ورقية للنص نفسه. أكتب ثلاثة أسطر، ثم أضع خطاً فوقها، ثم أكتب الخط الرابع فوق صفحة أخرى. أما في الفلسفة، فلا شيء من هذا، أتناول ورقة. وأبدا بكتابة الأفكار التي تعتمل في رأسي.. والتي ربما لم تكن موجودة فيه منذ زمن طويل، ثم أستمر في كتابتها حتى النهاية).
كما ويناقش سارتر في الكتاب الذي تسرد سطوره بوفوار علاقاته بالنساء، ويقول لها وهو يتحدث عنها: (لقد توفرت فيكِ كل الصفات التي كان بوسعي طلبها من النساء.. الصفات الأكثر جدية. ومن ثم فهذا يُحرر النساء الطيبات الاخريات اللاتي يمكن أن يكنّ مجرد جميلات.. على سبيل المثال إن ما حصل هو أنك تمثلين أكثر ممّا أعطيه لبعض النساء.. أما الأخريات فقد حصلن على ما هو أقل، وفجأة بدأن بتخفيف ما يقدمنه من أنفسهن بأنفسهن).
وفي واحدة من أكثر الأقوال المؤثرة في الكتاب حديث دي بوفوار وهي تقول: في فترة شبابنا، سارتر وأنا، كان أحدنا يقول للآخر، بعد نقاش محتدم ينتصر فيه متألقاً: (ستبقى في عالمك). نعم ستبقى في عالمك، لن تخرج منه أبداً، ولن أوافيك فيه، حتى لو دُفنت إلى جانبك، ولن يكون بين رمادك وبقاياي أي ممر. 
يقع كتاب (مراسيم الوداع – حوارات مع جان بول سارتر) الذي صدر عن دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر في (644) صفحة من القطع المتوسط.