التاريخ العربي شعرا في قرن من الزمان

ثقافة 2021/06/30
...

 باسم عبد الحميد حمودي
 
كان بدء العمل في إنجاز الطبعة الشاملة الجديدة من ديوان الجواهري الكبير نهاية أيلول من عام 2021، حتى تم تأليف لجنة المتابعة والمراجعة لهذه الطبعة الشاملة الفريدة التي صدرت منتصف شهر حزيران الماضي في حلّةِ قشيبة تسعد القارئ المتابع وتكمن فرادتها الخاصة في أمرين:
أولهما أنها خاصة بشعر شاعر العرب الأكبر الجواهري، وثانيهما أن لجنة البحث والمتابعة قد تخلصت من رقابة الجواهري ذاته، الذي كان حريصا على الحذف والإبقاء لأسباب تقنية -في عرفه- وسياسية أيضا، كما أن اللجنة تخلصت من رقابة (الحكومة) أي السلطة رغم أن رئيسها الحالي هو وزير الثقافة الدكتور حسن ناظم الذي كان قد اتاح الفرصة كاملة للتفتيش والبحث عن كل مصادر الجواهري الشعرية بحرية كاملة.
ليس أدل من ذلك أن اللجنة قد جمعت كل شعر الجواهري الذي لم يظهر في الطبعة الماضية التي أصدرتها وزارة الإعلام العراقية السابقة عام 1973.
كما تخلصت اللجنة من رقابة الشاعر ذاته، فنشرت قصائده في مدح الملك فيصل الثاني (ته يا ربيع) التي كان يمنعها مرارا والقصائد والمقطعات الصغيرة مثل (يا خمرتي) المدونة عام 1920 وسواها، وبذلك ضمنت حريتها في العمل وجمعت كل قصائد الجواهري التي كتبها قبل عام 1973 وبعدها، وتوفرت لها بذلك حصيلة كاملة تستوفي التاريخ الشعري الموثق للجواهري الكبير.
ومثلما كان للجنة الجمع الاولى عام 1973 شخصيات نقدية مهمة مثل علي جواد الطاهر الذي قام بكتابة المقدمة والشيخ مهدي المخزومي ورشيد بكداش كان للجنة الجديدة شخصياتها التي عملت بجد من أجل التوثيق والتحقيق في أزمنة النشر، وهم الدكاترة سعيد عدنان ونادية غازي العزاوي وسعيد الزبيدي ورهبة أسودي.
 كتب مقدمة الطبعة الجديدة التي ربت على الخمسين صفحة الدكتور حسن ناظم رئيس اللجنة الذي قدم فرشة ضافية للعصر الذي ولد فيه محمد مهدي ابن صاحب الجواهر، وبيئة النجف الدينية المعروفة وأسرها العلمية التي منها أسرة الشيخ عبد الحسين والده، والأسر القريبة من أسرة صاحب الجواهر، ومنها أسرة أنسبائهم آل كاشف الغطاء وأسر الشبيبي والحبوبي وبحر العلوم والقزويني واشتباك الأسرة الجواهرية بقبيلة زبيد.
وكانت المقدمة توشيجا لخلاصة بحث لا في حياة الجواهري الصبي والشاب حتى ثورة العشرين، بل هي بحث في علاقات النجف الأشرف بالحواضر المجاورة كالحلة وسواها، وكانت المقدمة قد توسعت في ذكر طبيعة التربية الفكرية الأولى للجواهري وطريقة تدريسه المتعبة وإجبار والده له على حفظ النصوص الدينية والشعرية يوميا وسماعه وهو يؤدي النص المتنبي مثلما يؤدي جهرا نصا من نهج البلاغة، وهو يقرأ الشقشقية ويحفظها.
ذلك هو البناء الاساس الذي صنع للجواهري الذي اقتحم بعد ذلك بغداد وسواها ورادها صحافة وشعرا واصطدم سياسيا وشعريا وفكريا مع هذه الكتلة السياسية أو الفكرية أو تلك طوال حياته التي ربت على المئة عام أو أقل قليلا.
ولد الجواهري في 26 تموز 1899 وتوفي في دمشق في 27 تموز 1997، وقضى حياته متنقلا بين عاصمة وأخرى بسبب سوء تعامل الحكم مع فارس شعر وفكر مثله، سواء في العهد الملكي أو العهود الجمهورية المتعددة لأسباب متعددة، أولاها، أنه لم يكن شاعرا طيعا مثل كثيرين، رغم أنه بدأ عمله الوظيفي الأول في بلاط الملك فيصل الأول، لكنه خرج منه الى التدريس في الحلة مغضوبا عليه.
في الحلة له ذكريات مع أساتذتها وأهلها الذين وقفوا معه عند فصله من الوظيفة مرة أخرى، فاقتحم بغداد كرّة أخرى صحافة وكتابة وعلاقات واسعة مع اهل الشعر والادب والسياسة صعودا ونزولا، ومع الملوك والأمراء بعدا وقربا، حتى دانت له دنيا الشعر من دون الدعة السياسية.
لا أريد لهذه المقالة عرضا لكل الموسوعة الجواهرية الشاملة لكنه التأكيد على أنه السجل المتكامل للقصيدة الجواهرية بعد عشرين طبعة ومختارات للجواهري بدأت منذ (حلبة الأدب) أول مجموعة له في عشرينات القرن الماضي حتى مختارات دار طلاس في دمشق عام 1986.
خلال ذلك انتشرت نحو الثلاثين طبعة غير شافية تدخلت فيها يد الجواهري ذاته ونوازع دور النشر، وجاءت الطبعة الجديدة المتكاملة لتكتشف فيها بدايات (دجلة الخير) و(أرح ركابك) وقصائد الرثاء القريبة والبعيدة والترجمات من شعر فارس وغير ذلك من (وقائع) شعرية ترتبط أزمنة وأمكنة ومناسبات سارة وغاضبة شكلت تفاصيلها الحياة الكاملة للشاعر الأكبر الذي نحتفي بذكرى وفاته في 27 تموز
 المقبل.