كشكول الفلسفة والفلاسفة في (أحفاد سقراط) لعلي حسين

ثقافة 2021/07/04
...

  إبراهيم رسول
 
عنوان كتاب (أحفاد سقراط.. قصة الغرام بالفلسفة- من أرسطو إلى ميرلو بونتي/ لعلي حسين) جاذب، وما جذبني أنه فلسفيٌ، إلا أن الناشر قد كتب في أعلى الغلاف كلمة (أدب)! أخذت أتساءل كيف تم الجمع يا ترى؟ وربما يُصنف الكتاب أنه نوع يُعرف بالأدب الفلسفي، والذي هو مزيج من فلسفة الأدب أو أدب الفلسفة، وهذا المزيج والخليط سيكون الناتج مثمراً بالحقل الإنساني المعرفي، الفصلُ الأولُ كان ممتعاً للغاية، إذ إنه يتحدث عن البدايات الأولى للفلسفة وبدء القول بأول شخصٍ تفلسف، ولعلَّ الكاتب هنا يؤرخ ويتكلم عن شيئين مهمين، وهما الفلسفة والفلاسفة، إذ نجد في بداية كل فصل ترجمة للفيلسوف وثمَ التطرق لرؤاه وفلسفته، والكتابة في هكذا نوع تُعد كشكولاً معرفياً إنسانياً، أي إنه يصبُ في حقل الدراسات والعلوم الإنسانية، قررتُ أن أضع مُسَوّدة أكتبُ بها أسماء الفلاسفة، الذين سيرد ذكرهم في هذا الكتاب والذين هم أبناء وأحفاد الفيلسوف سقراط، كان الاسم الأوّل هو طاليس المالطي وصرتُ أكتب الاسماء التي يرد ذكرها في الكتابة بصورة متسلسلة، لأني اتخذت القراءة المتسلسلة المتأنيّة، فإذا بالمسوّدة قد امتلأت صفحتها الأولى ولم أمضِ في القراءة طويلاً، وقفتُ مستدركاً الكتاب الذي لم أنتبه إلا وقد ألفيتُ نفسي سابحاً في محيطه العميق، إنه عالمٌ عجيب، انتظرتُ قليلاً أستجمع قواي جراء الركض وراء الأفكار التي اختصرها الكاتب بصورة تبدو مبسطة جداً، قررتُ أعيد القراءة فأبدأ باختصار فلسفة كل فيلسوف عسى أن ألمّ بأكبرِ عدد من الفلسفات حتى أستطيع أن أتغنى بها وأتبختر بأني قد وعيت القسط الأوفر من الفلسفة ورجالاتها، أعدت القراءة وغيرت المُسوّدة ووضعت أخرى أكبر حجماً من الأولى، ومضيتُ بالقراءةِ حتى نسيت أو تناسيت نفسي وراء اللّهاث خلف هذه الأفكار الفلسفية والنظريات التي عمد الكاتب (الذين فهمها جيِّداً) أن يُبسطها بأسهلِ وأوضحِ طريقة، لم أستمر إلا قليلاً حتى وجدتُ نفسي قد أمليت صفحات متعددة ووضعت لكل نظرية شرحاً وهامشاً فأمست المُسوّدة الجديدة كأنها بحثٌ صغير أو مبسط. 
الكتابُ هو عبارةٌ عن كشكولٍ كبيرٍ وموسعٍ في الترجمة والفلسفة، فهو لم يتبنّ فلسفة معيّنة إلا إنه كان جامع لكثيرٍ من الفلسفات والرؤى الفلسفية، تارة أتصور أن الكاتب ماركسي وأخرى اشتراكي وتارة أراها 
خليط، لكن الحقيقة هو ممتلئ جداً بكم من النظريات في السياسة 
والحكم والدين والتاريخ والاجتماع وغيرها، إذ وجدت الكاتب ينزع نزعة فلسفية حتى في ترجمته وشرحه لحياة أو فلسفة الفيلسوف، هو كتابٌ مهمٌ لكل من يحب أو يريد ان يدخل عالم الفلسفة من أحلى وأسلس وأبسط الأبواب. 
الدخول إلى الفلسفة عسير جداً ويكلّف الكثير من العناء والجهد والقراءات لكن كتاب (أحفاد سقراط) سيوفر على الباحث أو المحب الكثير من هذا الجهد والكثير من التتبع والاستقراء في البحث الفلسفي، إنه حديقةٌ غنّاء، قطوفها دانية، يستطيع أن يأكل منها من يشاء متى شاء. 
ولعلَّ القصد من العنوان أعلاه (كشكول) أي إنه حقيقة واضحة، فهو يشبه الكشاكيل التي ألفها بعض الكتاب كالبهائي أو الأمين العاملي أو البحراني، أولئك كان كشكولهم موزعاً لشتى ضروب المعرفة الإنسانية، كالأدب بقسميه الشعر والنثر وسائر الأمور التي تطرق لها كالفلسفة والاجتماع والقانون والحكم والسياسة، إلا أن ميزة هذا الكتاب أو (كشكول أحفاد سقراط) إنه في علمٍ واحد وهو الفلسفة، ربما هذه ميزةٌ تضاف إلى مميزات الكتاب الذي تخصص وأعطى الأهمية للبحث الذي كان شغوفاً به، فسلّط الضوء على الكثير من الرؤى والتصورات الفلسفية بكتاب سيعد مرجعاً لمتلقي في أي وقت وأي زمان، إذ لا بدّ لكل من له شغفٌ بالفلسفة أو يمر أو يأخذ الكتاب ويعود إليه بأوقات متفاوتة كل حين.