تكرار الإبداع

ثقافة 2021/07/04
...

  ابراهيم سبتي
هل يكرر الكاتب المبدع نفسه في كتاباته؟، يبدو أن السؤال يحتاج الى الكثير من التدقيق والاطلاع والتمحيص في كتابات المبدعين الذين تحوم عليهم الشكوك بتكرار كتاباتهم تحت مسميات شتى. فالقاص والروائي، قد يكرر الثيمات والافكار نفسها بين كتاب وآخر لا سيما انه ربما يتعمد ذلك او تتشابك عليه الأمور او ينسى ما كتبه او لنقول ينطلق من مبدأ ان القراء او النقاد لن يطلعوا على جميع نتاجه الادبي، فيكتب ما شاء له. 
 
اعتقد جازما بأن الامر ليس كذلك أبدا، فالكاتب للإبداع وخاصة في فن السرد، يكون متنبها وحريصا ودقيقا في ايراد افكاره داخل منجزه. 
وقد يبدو للبعض بأن هذه الفكرة لكاتب معين ربما تشبه فكرة أخرى طرحها الكاتب نفسه من قبل. يصف رولان بارت هذه الحالة بقوله الشهير بأن النص عبارة عن نصوص مقروءة مخزونة في رأس الكاتب، وهذا يؤكد ربما ما يدعيه البعض من ان التكرار يحصل أحيانا او حسب بارت قد يكرر ما يكتبه آخر من دون وعي او فطنة. 
وفي نظرة توثيقية عن ما كتب من سرد في العراق، لن نجد التكرار إلا نادرا وربما تشابه بسيط لا يرتقي الى خانة الاتهام لأن المقروء السردي عبر الاجيال وكتابات النقد، لم يذكر احد الكتاب على انها ظاهرة تحتاج الى التوقف والاحتجاج، ولكن ربما نجد تشابها بين فكرة معينة لكاتب والفكرة نفسها او قريبة منها لكاتب آخر. هذا أمر يحصل وهو ما يطلق عليه جاك دريدا بالتناص الأسلوبي، وهنا يبرر دريدا هذا الفعل بأنه تأثيرات قرائية مكبوتة تظهر على الورق من دون وعي. وفي السياق العام للكتابات القصصية والروائية، سنجد ان الحدث القوي المميز والذي ربما يغير من وجه التاريخ او يغير شيئا من حياة شعب ما، ربما يتناوله الكتاب ولكن كل من زاويته واسلوبه، وهذا ما يحدث بعد انتهاء الحروب او اثنائها او الاحداث التي صارت ايقونة شعبية ملازمة لا يمكن نسيانها. 
نجد ان الروايات خاصة قد تتناولها بشيء من المنظور الايقاعي الذي يتحكم به المبدع وربما يؤدي هذا التحكم الى خروج النص من دائرة التكرار، كما حدث في رواية “كتاب الضحك والنسيان” لميلان كونديرا والذي يطلق عليها البعض بانها كتاب روائي، اذ كان من ضمن الثيمة الرئيسة هو احتلال السوفييت لبلده وبما سمي وقتها بربيع براغ، كتب هذه الحادثة معظم الروائيين التشيك ولكنها لا يمكن ان تصنف بأنها ضمت حدثا واحدا او فكرة واحدة هو احتلال براغ وتكررت الثيمة بالتأكيد. انها تستوجب من النقاد او القراء بأن لا تصنف ضمن الكتابات المكررة او المتشابهة او التناص وهو ما حصل فعلا. لان بعض الروائيين كتب أكثر من رواية عن الحدث نفسه بل صارت تلك الروايات توثيقا مهما في سجل التاريخ لذلك الشعب. اعتقد بأن كل كتابة روائية هي كتابة ابداعية وان اختلفت الطريقة او الحبكة او وجه الاقناع فيها. فالرواية خاصة والقصة القصيرة عامة، تحاول تغطية الحدث ابداعيا وتخليده عبر الزمن، ومن ثم عدّها وثيقة تاريخية تسجل في خانة تاريخ أمة ما. وان كانت التهمة قد تطلق جاهزة أحيانا ولا مجال لتفنيدها وخاصة بما ذكره البعض بأن روايات نجيب محفوظ تكرر نفسها عبر حكاية الحارة الشعبية، نقول بأن محفوظ كان ذكيا في التعامل مع ثيمته المحببة وهي الحارة الشعبية بزواياها وفضاءاتها، فتارة يصفها على انها تمثل المكان الأوسع وهنا تأتي التأويلات على أشدها وكل قارئ او ناقد يتكلم عن زاوية ما. وتارة تؤدي الحارة دور الأم الرؤوم التي تحتضن بعاطفتها وحبها ابناءها، في حين يكتب محفوظ في رواية اخرى عن الحارة مبينا الصراع الطبقي والسياسي كدالة أكبر من حدود الحارة وهكذا. مع ان كل توثيق روائي هو تاريخ يحكي كل الاحداث في زمن وقوعها او بعد وقوعها. ولا يمكن بأي حال من الاحوال اعتبار توارد الأفكار وتشابهها أحيانا في كتابات كاتب ما، هو تكرار يمس من جرف إبداعه وربما يأكل منه كثيرا لأنه أولا وأخيرا هو منجز وجهد وابتكار..