تَمْتَماتُ حَمَّالي الأسى

ثقافة 2021/07/04
...

  رضا المحمداوي 
 
في ظُلمةِ بيوتِهم 
الآيلةِ للحزنِ والعويل 
تناولوا بيضاً مَقليَّاً بزيتِ الصبر 
واحتسوا شاياً مَنقوعاً بالحسرات 
وتأهبوا لرحلةِ المَشقّةِ والعذاب 
وهم يُتَمتُمونَ : يا الله...
أكَلَتْ نيرانُ الحروبِ
لحومَ أيامِهم 
وَرَمَتْ بهم 
عظاماً يابسة 
أبناءُ الحروبِ...
حمَّالو الأسى والمآسي 
يتركونَ بيوتَ (الحواسم) 
تغطُّ في كآبةٍ مزمنةٍ
وهم يحملونَ صخرةَ الحياةِ
على ظهورِهِم المُنحَنية 
ويمضونَ حالمينَ
يأخذونَ مَعَهم
ما يأخذُ الفقراءُ 
مِن أُمنياتْ..
مجرد أُمنياتْ...
بقايا أُمنياتْ... 
قَرَضَها الانتظارُ الطويل
شيئاً... 
   فشيئاً....
وَرَماها خرقةً مُتهرئةً
على الرصيف 
وَمَعَ شمسٍ مُنطفئةٍ 
تحجبُها الغيومُ 
خَرَجَ الحمَّالونَ الحالمونَ 
بعرباتِهم المُتهالكة 
يدفعونَ صباحاً ثقيلاً 
ويُتَمْتُمونَ : يا الله....
أثقلتْ عيونَهم 
أحلامُ الليلةِ الباردةِ 
بأنْ يعودوا فرحينَ 
إلى بيوتِهم 
مِن سوقِ الفُقراءِ
وقد أغناهم اللهُ
من رزقهِ 
بكيسِ خضارٍ ذابلةٍ 
وبقايا فاكهةٍ فسدتْ 
وقطعِ حلوى للصغار 
تقطرُ منها مرارةُ الأسئلةِ
على الشفاهِ الحائرةِ 
وهي تُتَمتُمُ: يا الله...
ولذا تراهم 
يُلوحّونَ للسماءِ بيدٍ
أنْ أفيضي علينا 
من عطاياكِ.... 
وبيد ٍتمسكُ زمامَ الوقتِ - العربة 
كي لا يفلتُ من قبضتِهم 
ويضيعُ في الزحام 
في الطريق...
عَبَرَوا شوارعَ الخوفِ
مُرتابينَ...
مِن كلّ صوتٍ..
أو حركةٍ... 
أو سيّارةٍ مُسرعةٍ 
حيثُ لا ثقةَ لهم 
بالحُرَّاس الفاسدين 
وهم يعبثونَ بغباءٍ مفرطٍ
بإلعاب هواتفهم الذكية
عِندَ مَداخل المدينة
كانَ شبحُ الموتِ الأسّوَد
يحومُ حولَ سوقِ الفُقراءِ 
ويمحو مِن الجدرانِ الحزينةِ
 أسماءَ القتلى المَنسيين
ليكتبَ أسماءً أخرى 
بدماءٍ طازجةٍ... 
يسمعونَ آياتِ القرآنِ
تُرَتلُ مِن مذياعِ سيّارةِ موتٍ
كانتْ واقفةً لهم بالمرصاد
ومِن عربةِ بائع الشاي 
على الرصيفِ المحفور
مِن أثر الدماء والدموع
تتناهى كلماتُ دُعاءٍ حزين ٍ 
.... 
... وفي لحظةٍ ... 
نَزَلَ شبحُ الموتِ الأسّوَد
الذي كانَ يَحومُ... 
أسكَتَ صوتَ اللهِ الهادرِ
في القرآن 
وَقَطَعَ البثَّ المُباشر
عن عليّ بن أبي طالب وهو يُرَتّلُ
(دعاءَ الصباحِ) 
في مَسجدِ الكوفة
وفجّرَ سيَّارةِ الموتِ
بَينَ الجموع 
فَتَقَيّأَ الصباحُ القاتمُ الحزينُ
دماً فاسداً 
وتبعثروا أشلاءً 
حمّالو الأسى والمآسي
وقد سَقَطتْ صخرةُ الحياةِ
- جرَّاء الانفجار -
عن ظهورهم 
في السوقِ المُحترقِ 
وما زالتْ شفاهُهم المُتفحمة
تُتَمتمُ : يا الله...