بعد جفاف بحيرة ساوة.. هل يختفي هور الصليبيات؟

العراق 2021/07/04
...

 السماوة: نافع الناجي
 
أعتاد عباس محسن، حمل أمتعته وتوديع أفراد اسرته القاطنين في منزل مستأجر بالأطراف الشرقية لمدينة السماوة، لعدة مرات شهريا، فهو يغيب لأسبوع أو اكثر في كل مرة باحثاً عن رزقه وما يعيل أسرته ودفع فواتير ومتطلبات منزله.
لم يجد محسن مهنة يعتاش عليها سوى صيد السمك، التي تعلمها منذ صغر سنه، فقد كان يرحل رفقة بعض اصدقائه وجيرانه الى أهوار الناصرية، وهناك يتسبب ما يقسمه الله له من رزق، وحينما كبر وتجعدت ملامح وجهه لم يتمكن من تبديل مهنته هذه ، وظل ملتصقاً بها وفياً لها.
وحينما سألته، ان كان ما يتقاضاه من صيد وبيع الاسماك كافياً لفتح منزل وإطعام أسرة ؟ رد عليّ بعدما عبّ نفساً طويلاً من سيجارته بالقول: هو رزقي مكتوب في اللوح المحفوظ ، وان الله لا ينسى عبده .. انا اسعى فقط ، وهو يدبر الارزاق.
إجابة تنمّ عن إيمانية ويقينية عالية، قد لا تعكس واقع حاله "المهلهل" وثيابه "الرثّة" البالية ، التي لم اكن متأكداً انها جزء من (عدّة الشغل) ام انه لا يمتلك غيرها.. وهو الذي يعمل منذ سنوات صياداً للسمك وما يجود به هور "الصليبيات" الصغير الذي يقع في براري محافظة المثنى ثاني اكبر محافظات العراق مساحة واكثرها فقرا وحرمانا.
هناك العشرات وربما المئات من أمثاله يعملون في المهنة ذاتها، ورزقهم يزيد او ينقص تبعا لعوامل كثيرة ، فالهور المذكور معرض لعوامل طبيعية وجيولوجية مختلفة...فأحيانا يفيض بالخيرات، واخرى ينحسر ويصيب منابعه الجفاف وتقلّ خيراته.
مرتضى حمود، زميله ذكر ان ارزاقهم تضررت بسبب شيوع بحيرات الاستزراع السمكي والاحواض العائمة المنصبة على ضفاف الانهار، ودخول طارئين على المهنة ،مما ادى الى المضاربة في اسعار السمك للجملة يقابله ارتفاع مستمر في النفقات والتكاليف والمحروقات. 
يعتمد هور الصليبيات، وهو منخفض مائي تبلغ مساحته خمسة آلاف كيلو متر مربع، في تغذيته ومنابعه المائية على أنهر العطشان ،الجنابية ونهر القادسية وتحذر مديرية البيئة من كارثة قد تحل بهذا الهور بسبب شح المياه الواصلة اليه، ما يعني ان رزق عباس محسن وزملائه بات مهدداً.
اتجهت صوب مديرية بيئة المثنى لمقابلة مديرها المهندس يوسف سوادي، لأسأله سؤالاً محدداً : هل سيجفّ هور الصليبيات مثلما جفت بحيرة ساوة؟ وماهي توابع ذلك؟
قال سوادي: انه سبق واطلقنا عدة تحذيرات من جفاف هور الصليبيات الواقع جنوب المحافظة بسبب انقطاع مصادر المياه، ما ينذر بحدوث مشكلات بيئية لا تحمد عقباها في ذلك المنخفض المائي". 
وأضاف مدير البيئة أن "فرق المديرية سجلت في فترات متفاوتة انخفاضات واضحة وملموسة في مناسيب المياه في هور الصليبيات"، لافتا الى أن "انخفاض مناسيب المياه سيؤثر في جملة أمور بالسلب، مثل التنوع الإحيائي وتناقص كبير في أعداد الأسماك ونفوق أنواع معينة منها، لكن التحدي الاكبر هو ما يتعلق بالتأثير الاقتصادي لكون هور الصليبيات يعد مصدراً مهماً للدخل ومورداً اقتصادياً لا غنى عنه ، لتوفير لقمة عيش الكثير من أبناء المثنى التي تعيش واقعاً اقتصادياً 
متردياً". 
وتبعاً لتصريحات المسؤول المذكور، يبدو اننا إزاء واقع ملحّ ندعو فيه وزارة الموارد المائية الى حلول عاجلة، أقلها السعي الى إطلاق كميات جديدة من المياه لإنعاش الهور الذي يعتبر بحد ذاته "منظومة بيئية متكاملة" من الممكن تحويلها الى محمية طبيعية وفقاً لاتفاقيتي "رامسار والتنوع البايلوجي" اللتين تعنيان بالمسطحات المائية المماثلة كالبحيرات والاهوار.