شروح شعر المتنبي

ثقافة 2021/07/07
...

لؤي حمزة عبّاس
 
ما يزال شعر أبي الطيب المتنبي يمثل ظاهرة فريدة من ظواهر الأدب العربي، فهو أحد أكثر حقول البحث جذباً للدارسين والمحققين في تاريخ هذا الأدب، بما يؤكد أن الأدب العظيم ابن جميع العصور، ولكل عصر كلمته فيه، وهي كلمة تتجدد بتجدد مناهج البحث ومدارسه واتجاهاته التي تفيد من سبل المعرفة وتقنياتها، ومثلما عد شعر المتنبي مثار سؤال حول طبيعة الإبداع العربي في واحدة من أهم قممه الشعرية، عدت شروح هذا الشعر مجالا خصباً من مجالات الشرح، فقد ذكر ابن خلكان (ت 613هـ) في كتابه (وفيات الأعيان) أنه وقف على أكثر من أربعين شرحاً ما بين مطولات ومختصرات «ولم يُفعل هذا بديوان غيره»، كما ذكر ابن كثير (ت 774هـ) في (البداية والنهاية)، بعد أكثر من قرن من الزمان، إن لشعر المتنبي «أكثر من ستين شرحاً وجيزاً ومتوسطاً»، وقد توزعت هذه الشروح على مساحة واسعة تغطي جغرافية اللغة العربية نفسها، فلا تكاد بقعة من بقاع العربية تخلو من دراسة هذا الشعر أو شرحه أو موازنته مع أشعار غيره من الشعراء، وفي كتاب الأخوين كوركيس وميخائيل عواد (رائد الدراسة عن المتنبي) بيانٌ واف لهذه الجهود، واليوم تقدم الأستاذة الدكتورة نادية غازي العزاوي اسهامها في هذا الحقل بإصدارها (شروح شعر أبي الطيب المتنبي المفقودة)، بما يؤكد حيوية مدرسة التحقيق العراقية التي قدمت الكثير من الجهود لما يتجاوز القرن من الزمان، على الرغم مما يتطلبه التحقيق من معارف عديدة متنوعة في حقول التاريخ، والتراجم، والبلدان، والنحو، والتفسير، والعروض، وعلوم البلاغة وسواها، فكان كتابها «حصيلةً طيبةً لما يزيد على 600 نص نجت من الضياع، لستة من شروح شعر المتنبي المفقودة، بعض هذه الشروح ظلت مجهولةً، ولم تقف عليها كتب الفهارس والتراجم، وإن نوّهت ببعضها فمن غير ذكر عنواناتها، أو وصف مادتها» كما تذكر المؤلفة. إن جهود الدكتورة نادية العزاوي تتعدى الجمع والترتيب إلى مشكلات التحقيق مثل إحاطة النصوص بما يتوّجب من عناية وتدقيق، ووضع هوامش وافية لتخريج الشواهد، فضلا عن الملاحظات والتعليقات المنهجية، وقد قدمت لذلك بدراسةٍ تتضمن تعريفاً وجيزاً بهذه الشروح وأصحابها بعد أن غفلت الكتب عن سير بعضهم، مما أضاف لجهود الباحثة متطلبات أخرى، غير رصد الشروح وبيان خصائصها، لتخرج بالدقيق من النتائج وتعيد لستة من شروح شعر المتنبي حياتها، «متحديةً ظروف تغييبها لقرون، لتكشف النصوص المتبقية منها عن جهود جهابذة صنعوا للعربية مجداً لا يندثر أبداً»، وتؤكد جدارة مدرسة التحقيق العراقية بانجاز كل ما هو جدير بالبحث مهما بعد به الزمان، وتعيد درساً مؤثراً مفاده أهمية النظر العقلي إلى الماضي والعناية بآثاره الرفيعة لمن يتطلع لبناء المستقبل.