الخواجات ورحلات الأسود

الرياضة 2021/07/07
...

خالد جاسم
 
 استرجعت في شريط الذاكرة مسلسل المدربين الأجانب الذين تعاقبوا على تدريب المنتخب الوطني, وركزت على مشاهد توقيع العقود مع المدربين الصربي مليونوفيتش بورا ( بطريقة الإعارة المدفوعة التكاليف) وقبله فييرا، ثم ما بعد بورا وهو البرازيلي زيكو، ثم سيدكا وخلفه بتروفيتش، وأخيرا كاتانيتش، وسط حزمة من أضواء الكاميرات والفلاشات المكثفة في بغداد وعلى قدر كبير من الابهار والتركيز الصوري على هؤلاء المدربين الذين ارتضوا كمن سبقهم  تحدي الصعاب والقبول بما يراه معظم المدربين الاجانب مجازفة ليست مأمونة العواقب في تولي مسؤولية تدريب منتخب كالمنتخب العراقي .. واللافت ومع الاختلاف الجوهري بين شخصيات فييرا وبورا وزيكو والاخرين، سواء على المستوى الشخصي أو على الصعيد التدريبي, أن هؤلاء هم مدربون  محترفون لم يجد أي منهم قبيل الموافقة على خوض المجازفة العراقية فريقا أو منتخبا وطنيا يؤويه لا في الغرب ولا في الشرق, كما اللافت أيضا في الخواص المشتركة بينهم إصرارهم على عدم الخوض في التفاصيل المالية للعقود الموقعة مع اتحاد الكرة الذي يبدو أنه وكما تأكد لاحقا الطرف المسؤول عن الإصرار على عدم ذكر المدربين الاجانب أيا من تلك التفاصيل المالية المتعلقة بالتعاقدات معهم, وما زلنا نتذكر ما حدث مع الالماني ستانج وبعدها مع النرويجي اولسن، برغم أن فييرا وخلال ولايته التدريبية الثانية مع منتخبنا الوطني قد توضحت مستحقاته المالية بكل تفاصيلها، ربما لأن الجهة التي تكفلت بالدفع وتحويل مبلغ العقد الى حساب فييرا الشخصي هي جهة حكومية وليس اتحاد كرة القدم في ذلك الوقت، وهو ما حدث لاحقا مع كاتانيتش, كما توضح لدينا في ما بعد أن القطريين أعارونا خدمات بورا من أكاديمية اسباير, بينما ظلت قضية المستحقات المعلقة لزيكو مصدر شد وجذب بينه وبين اتحادنا الكروي لوقت طويل قبل أن يكسبها عبر القضاء الدولي.
 وكانت تبرز أيضا في الملامح المشتركة لفييرا وبورا وزيكو تصريحاتهم المفرطة في التفاؤل وبوقت مبكر من تسلم المهمة الصعبة, مع أن واقع الأمر كان يبدو مختلفا كليا، مثلما كانت العقبات والمطبات التي تظهر لاحقا تنتهي في الفشل أو الإخفاق أخيرا, وكلنا يتذكر ما صرح به فييرا قبيل عودته لتدريب منتخبنا في خليجي 19، كما لم تغادر الذاكرة بعد كلمات السيد بورا عندما أعلن بعد توقيع العقد انه عازم على خلق منتخب قوي مع مقدرته على نقل الفريق العراقي الى الدور الثاني في بطولة القارات، من دون أن يوضح بورا بشكل مقنع الأسباب الموجبة التي يقف عليها تفاؤله المبكر هذا، لاسيما أنه كان قد تسلم المهمة وأمامه مدة زمنية تحسب وفقا للقياسات التدريبية والمنطق التدريبي مدة عصيبة، إذ لا تتاح للمدرب المباشرة بإعداد متكامل بقدر اعتماده على مبدأ الجرعات المكثفة والمركزة التي تستند الى خاصيتي البناء التكتيكي الخاطف والمباريات التجريبية الكافية التي تنسجم مع ذلك المبدأ, وهذا الأسلوب سبق لفييرا اعتماده قبيل انطلاقة خليجي 19 , ويبدو أن المدرب الصربي بورا لم يجد مفرا من استنساخه، لكنه كان بمعسكر قطري وليس اماراتي، وكانت الغاية واضحة تقريبا وهي العودة من جديد الى منتخب 2007, أي منتخب أمم اسيا، وهو ذات الأمر الذي تكرر مع زيكو، وقبل ذلك كانت الشهور التي قضاها المدرب راضي شنيشل في بناء كيان جديد للمنتخب الوطني قد أودعها اتحاد الكرة في ذمة التاريخ، وكانت العودة الى سلاح المحترفين أكثر الخيارات منطقية لدى بورا، ثم زيكو وبتروفيتش وكاتانيتش، وهي خيارات كان في مسببات ترسيخها لديهم بصمات اتحادية واضحة ..تماما كما حدث مع فييرا في تجربة الزواج الثانية والفاشلة مع منتخبنا الوطني.
وعندما كنا نكتب لم نبتغ استباق الأمور أو الأحداث التي كان المدربون فييرا وبورا وزيكو وبتروفيتش هم المسؤولين عن نتائجها، وليس فقط جدولتها أو وضع تسلسلها الزمني, لكن كنا نشير من خلال تلك الاستذكارات الى غياب التخطيط الصحيح والرؤى الفنية السليمة في عملية بناء المنتخب الوطني, وكنا مع التسليم بأهمية عدم الاتكال بشكل كامل على خدمات المحترفين من جهة والاعتماد على المواهب المحلية التي تفرزها مباريات الدوري الممتاز من جهة ثانية, إلا أن كلا الخيارين كانا يقفان على خط متقاطع ولا يلتقيان بالمرة منذ ما بعد العام 2004 , ولم نجد الى الآن مدربا تولى قيادة المنتخب الوطني قد نجح في تحقيق المقاربة الأدنى بين هذين الخيارين, وهو أمر يعود كما سبق القول الى غياب السياسة التخطيطية الصحيحة واعتماد مبدأ البناء المرحلي والحلول الانية التي تعتمد خيارات معظمها بعيد عن المنطق الكروي الصحيح الذي يكفل البناء الصحيح.
كنا نقول لندع فييرا ثم بورا ثم زيكو وسيدكا وبتروفيتش وأخيرا كاتانيتش يسيرون بعملهم كما يريدون، لأن الواضح تماما أنه لم يكن لديهم شيء يخسرونه, مع أنهم بالتأكيد كانوا ينشدون شهرة ضائعة ومجدا مفقودا ربما راهنوا على تحقيقه مع المنتخب العراقي, كما حدث مع فييرا قبيل إنجاز 2007 برغم الفارق الكبير في ظروف المنتخب في ذلك العام، والاختلاف الكبير في طبيعة التحدي بين أمم اسيا وبطولة القارات وتصفيات كأس العالم وغيرها من الاستحقاقات الأخرى التي فشلنا فيها بامتياز في عهدة هؤلاء الأجانب، مع استثناء تجربة كاتانيتش الناجحة التي لم يكتب لها الاستمرار, وصار واضحا في ضوء ما حدث ومع تجدد النية والسعي نحو استقدام الكفاءة الأجنبية, أن خيار المدرب المحلي, هو الخيار الأفضل والأكثر تجنيبا لنا لصداع رأس لا مبرر له على الإطلاق .