الولد على حق

الصفحة الاخيرة 2021/07/15
...

حسن العاني 
لم اكتشف في حياتي بحكم التجربة، شيئاً أكثر قرفاً من أن يصبح المرء (جداً) له جيش من الاحفاد، يغضبونه ويزعجونه ويريدون منه كل شيء، وعليه أن يبدو سعيداً أمامهم، ولعل أشد ما اثار دهشتي إن الاحفاد لديهم من المتع في الوقت الحاضر ما لو كان لدينا عشره في السابق لحمدنا الله الف مرة، ومع ذلك ما زالوا يحيطون بي ويطلبون مزيداً من الحكايات والحزورات، حتى لم يبق في جعبتي شيء منها، ولهذا عدت خمسين سنة الى الوراء، يوم كنت معلماً اتسلى مع تلاميذي، اذ توفرت الفرصة، وذلك بتوجيه أسئلة فيها خليط من المتعة واختبار الذكاء، أذكر إنني سألتهم مرة (من هو الذي يستطيع تغيير صورته بلمح البصر من اليمين الى اليسار، وبالعكس من اليسار الى اليمين ؟) وتلقيت سيلاً من الأجوبة، بعضها غريب، وبعضها مضحك، وبعضها مقبول الى حد ما، وفيما كنت استقبل ردودهم مكتفياً بهز رأسي او يدي هزة سلبية، فاجأني احدهم بالجواب الصحيح (أستاذ ..المرآة)، فقلت له (أحسنت.. ولكن كيف) وراح يشرح لي باللغة البسيطة التي تناسب عمره، مستعيناً على إيضاح جوابه بحركات أصابعه وذراعيه، اثنيت عليه بالطبع ثناء متميزاً، وطلبت من زملائه أن يصفقوا له 
طويلاً!.
ما زال وجه ذلك الفتى الذكي ماثلاً أمامي، بل ما زلت أحفظ اسمه بعد الذي مضى ومضى من عجاف السنين، ولكن المهم في هذا المشهد، هو أنني طرحت ذلك السؤال القديم نفسه على احفادي، وكما توقعت فقد شرقوا وغربوا في اجابتهم، ولكن الذي لم اتوقعه، هو الرد الذي باغتني به احد احفادي، الطالب في المرحلة الأخيرة من الدراسة الإعدادية، اذ قال لي (جدو ..انهم سياسيو العراق)، لم تكن بالطبع هي الإجابة المطلوبة، غير انها صحيحة كذلك ومضبوطة، وأنا شخصياً لم افطن إليها من قبل، ومع ذلك اوقفته مفتعلاً الغضب وشتمته (ابن الكلب ... من اين اتيت بهذه الإجابة السخيفة، الف مرة اوصيتك، أن تبتعد عن السياسة، فلماذا تورطنا؟!) أجابني بأدب (اعتذر جدو.. آني اقصد سياسيي أيام زمان)، سألته (وكيف تثبت ذلك ؟) رد عليّ (لأن معظم جماعتنا حالياً ليسوا سياسيين، وإنما تجار مناصب)، ملعون الوالدين كان على حق، ومع ذلك رسمت على وجهي هالة من غضب كاذب، يمكن التعرف عليها من الف ميل!.