الحلول الثقافيَّة

ثقافة 2021/07/25
...

علي حسن الفواز
الحلول الثقافية ممكنة دائما، لكنها مهمّشة ايضا، لأن البعض لا يثق بالحل الثقافي، ويضع الحلول السياسية والأمنية والايديولوجية في المقدمات الاولى، ويفترض أنها تمثل فعل القوة، على العكس من الثقافي الذي يعني الخيار الناعم الذي لا يحسم أمرا، ولا يصنع معجزة..
هذه التصورات راسخة للأسف في الرأي العام، وربما في أذهان الكثيرين الذين رهنوا وجودهم بالحلول الكبرى التي تصنعها القوة الخشنة، ومن ثم ظلت المعالجات الثقافية بعيدة عن الواقع، وعن الاختيار، ومؤجلة عن اداء اية وظيفة تُذكر، لكن مايتبدى أمامنا يؤكد مدى علاقة المشكلات التي نعانيها بالحاجات الثقافية، وقدرة الوعي الثقافي والاجراء الثقافي على معالجتها، وعلى تفكيك ماهو معقد فيها، وعلى نحو يوضح مسارها، ويخفف من غلواء آثارها وخطورتها، لاسيما تلك المشكلات التي تحولت الى تهديد وجودي لحياتنا ولقيمنا ولحقوقنا العامة والخاصة.
الحديث عن الإرهاب والحرية والعنف والكراهية والتطرف لايعني حديثا مجردا، بقدر مايرتبط بالمرجعيات الثقافية التي صنعت تلك الظواهر، وأسبغت عليها توصيفات عصابية وأيديولوجية وظائفية، إذ يصنع الجهل منظورا ملتبسا للعلاقة مع الاخر، مثلما يصنع التطرف نظرة قاصرة لوعي وإدراك حقوق الناس، في تنوع أفكارهم، وفي تعدد انتماءاتهم ومشاربهم، وهذا مايجعل الجهل والتطرف عنصرين مؤثرين في تشكيل "الوعي السلبي" المسؤول عن إثارة الفتن، وإشاعة نزعات الغلو والعنف، وصولا الى المجاهرة بتكفير ورفض الآخر، فضلا عن دورهما في تعطيل إرادة العمل والبناء والحوار والمشاركة، على مستوى الجماعة أو على مستوى المؤسسة والدولة والنظام الاجتماعي والسياسي.
إن الحاجة الى إعطاء الحلول الثقافية أهمية، وضرورة، وفرصا حقيقية، لايعني تحويلها الى حلول سحرية، والى "فرضية" ضاغطة لمواجهة تعقيدات الواقع الاجتماعي والامني والسياسي، بقدر مايتطلب الأمر تأكيدا على وجودها، وعلى شراكتها مع المسؤوليات الاخرى، في صياغة الوعي، وفي تعزيز الإرادة، وفي أن يكون الثقافي عنصرا متمما ومكملا في كل خيارات الحلول التي تتبناها الدولة أو المؤسسات المعنية، لأن مانعانيه من صراعات ومن مشكلات تتطلب جهودا كبيرة، وفواعل من الصعب عزل الثقافي عنها، لاسيما مايتعلق بأهمية وعي الناس بحاجاتها وحقوقها، وبالكيفيات التي يدافعون بها ويحمون أنفسهم وأفكارهم ومصالحهم من مكاره العنف والتطرف والغلو والكراهية...