مجازات المشهد الطبيعي في قصيدة (حزن في شهر آب) لديريك والكوت

ثقافة 2021/07/25
...

  محمد تركي النصار
 
تتألف قصيدة (حزن في شهر آب) للشاعر ديريك والكوت من ثمانية مقاطع، يحتوي كل منها على ثلاثة أبيات تعرف بالمقاطع الثلاثية. والقصيدة مكتوبة بالشعر الحر، أي أنها لا تستخدم التقفية، وهناك بضعة أمثلة يستخدم الشاعر فيها عنصر التجاور بين الكلمات، والتكرار لإبراز أحاسيس ومشاعر يعيشها المتحدث في القصيدة.
ويكرر والكوت في بعض المقاطع النهايات الصوتية نفسها عدة مرات لخلق حالة امتاع للقارئ، ففضلا عن استخدام عنصر التجسيد أي أنسنة بعض الاشياء لتقوية التأثير الشعري، وقد اختار استخدام هذا التكنيك لخلق جذب حسي وتقريب مفردات الطقس للمناخ العاطفي في القصيدة. 
تصف قصيدة (حزن في شهر آب) الحياة الكئيبة للمتكلم بسبب أزمة عاطفية وحالة هجر يعيشها، إذ تبدأ بالحديث عن حياته المليئة بالظلام والمطر الكئيب، والشمس في حالة غياب لذلك تهيمن على المشهد المعتم صور شعرية من الطبيعة، فالشمس تختفي في غرفتها مستعيدة ذكرياتها السعيدة، وهي تفضل التخفي وعدم الظهور لمواجهة قتامة المشهد، ويقوم المتحدث بمحاولات عديدة لإقناعها لكنها ترفض أن تصغي له.
النصف الثاني من القصيدة يصف محاولات المتحدث للتعايش مع الظروف التي يمر بها مخبرا الشمس بأن ظهورها مرة اخرى وايقافها للمطر سيغير المشهد ولا تكون عندها الكائن الوحيد الذي يقاسمه الحب بل يتقاسمه أيضا حتى مع المطر الكئيب والتلال البيض:
مطر غزير،
حياة تفيض،
مثل تلك السماء المنتفخة،
لشهر آب الكئيب،
فأختي الشمس ترقد في غرفتها الصفراء،
ولن تغادرها،
كل شيء ذاهب للجحيم،
البخار يتصاعد من تلك الجبال،
الأنهار تفيض،
لو فقط تشرقين يا أختاه
لتوقفي هذا المطر
نرى هنا وصفا للمشاعر التي تسيطر على المتحدث في هذه الفترة من حياته، فأيامه قاتمة وحزينة ومحبطة، يبدؤها بالحديث عن غزارة المطر، إذ تبدو السماء منتفخة بالمياه التي لا يبدو انها ستتوقف، ذاكرا هذه الأيام التي هي جزء من تعاسة آب الذي يعاني منه.     
الابيات الاولى تتحدث عن الظلام الفيزياوي في العالم لكنها جزء من مجاز أكبر يشير الى حالة المتحدث الذهنية، اذ انه يعاني من نوع من الاحباط الشديد المعبر عنه بصور ومشاهد من الطقس. وفي الأبيات التالية يشير الى أخته الشمس، وبوصفها أختا فإننا نفترض انها رفيقته الدائمة حتى هذه اللحظة، لكنها الان ترفض الظهور، جالسة في غرفتها الصفراء:
تتفقد اشياء قديمة في غرفتها،
وقصائدي تقلب ألبوم صورها،
وبالرغم من هذا الرعد
الذي يتساقط مثل صفائح محطمة من السماء،
لكنها لن تغادر غرفتها.
هل تعلمينَ يا أختاه
كم أحبُّك
وأنني عاجزٌ عن إيقاف هذا المطر.
لكنني بدأتُ أعودُ نفسي
على أنْ أحبّ الأيَّامَ الحزينة،
في المقطع الثاني القصير تتعمق أكثر مشاعر الحزن، إذ يرى المتحدث العالم من حوله وحالته النفسية أشبه بالجحيم، فهو يعيش في أتعس الظروف، ومشاعره يتم التعبير عنها وتنعكس في المشاهد الطبيعية، فهناك الجبال التي تفور، والانهار الغارقة بالمياه، وهذه من الأسباب القوية بالنسبة للمتحدث ليدعو الشمس للظهور، لكنها تمتنع فلا تشرق ولا تفعل شيئا لإيقاف هذا المطر الغزير، ويبدو المتكلم بلا حول ولا قوة.  
ويستمر المتحدث بوصف ما تفعله الشمس، فهي غير مستعدة لمساعدته، أو مساعدة الكوكب بهذا الشأن، وبدلا من هذا فهي مولعة بأشياء أخرى من ضمنها قصائد الشاعر نفسه وألبوم صورها، وهذا يمثل المكان الذي ضيع فيه الشاعر سعادته التي غاصت عميقا في طبقات لا واعيه ولا شيء يبدو قادرا على سحب الشمس لإخراجها من غرفتها لكنه يستمر في محاولة اقناعها:
وعندما تشرقين يا أختاه،
وتفرقين قطرات المطر
بجبهتك الحمراء
وعينيك الحانيتين،
فعندها سيتغير كل شيء،
ولكنهم في الحقيقة
لا يريدونني أن أحب كما أشاء 
فقد تعلمت أن أحب الأيام الحزينة،
والمطر الكئيب،
والتلال التي يغمرها الضباب،
مثل حبي لك وللسعادة.
وبالرغم من ان العالم سيكون مختلفا، فإنه سيكون بالتأكيد مليئا بالحلول للمشكلات الحقيقية عندما تشرق الشمس. 
وعند عودتها أخيرا فإنه سيكون قد تعلم أن ينشر حبه على المزيد من الأماكن والناس وعليها أن تفهم بأنه صار مغرما أيضا حتى بالأيام السود والمطر الكئيب والتلال البيض ما يضفي نوعا من سعادة الشعور بأن التجربة المرة قد تتمخض عن خلاصة الحكمة المتفائلة.