الوجود الأميركي في العراق

العراق 2021/07/26
...

ابراهيم العبادي
بين الاعلان عن انتهاء العمليات القتالية في العراق والابقاء على (قوات) للدعم اللوجستي والمشورة والمعلومات، تسعى ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى ترتيب صيغة مقنعة مع الحكومة العراقية للابقاء على وجود عسكري في العراق، وعدم الاكتفاء بالوجود الدبلوماسي والاستخباري والنفوذ السياسي. 
حاجة واشنطن لهذا الوجود كبيرة، فهي لا تستطيع الاعلان عن فشل المشروع الاميركي في العراق منذ عام 2003، وتحول العراق الى دولة (فاشلة) لاسباب داخلية وخارجية تخص الستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط، لكن مؤشرات الفشل واندحار المشروع واضحة للعيان، وكما سلمت واشنطن على لسان كبار مسؤوليها، بان لا حل عسكريا للازمة في افغانستان بعد عشرين عاما من التدخل العسكري ومشاركة دولية واسعة تحت مظلة حلف الناتو والامم المتحدة، كذلك يبدو ان العراق صار معضلة اميركية كما هو معضلة محلية واقليمية.
يجادل كثيرون بأن اهمية العراق الجيوستراتيجية وخطر انقسامه وانهياره، يجعلان من مسألة تركه يواجه مصيره لوحده خطأ مدمرا لا تجرؤ القوى الدولية والاقليمية على المجازفة بارتكابه، فالجميع يحسب لاسوأ الاحتمالات، والاميركان يدركون جيدا ان هزيمتهم في العراق تعني تقدم المشروع المضاد لهم ولحلفائهم وخسارة ستراتيجية لاتعوض مستقبلا، فسواء استقر العراق قويا معافى، او تفكك الى دويلات متناحرة، أو بقي يصارع بين الحياة والفشل، فإن كل هذه الاحتمالات تحمل الولايات المتحدة مسؤولية الاقرار بأن خططها ومشاريعها باءت بالفشل.
ان تحول الوجود الاميركي في العراق الى قضية مركزية وأولوية سياسية وشعار انتخابي، يعيد الى الاذهان سنوات العمل من اجل دحر الاستعمار واخراجه من البلدان  من دون ان تتضح صورة اليوم التالي، فالظاهرة الاحتفالية ونشوة الانفعال هي مايهيمن على المشهد السياسي والفكر اليومي. لقد استغرق الامر عشرات السنين لاصلاح ماأفسدته ايديولوجيات اليسار الثوري، ومافرطت به قوى اليمين المحافظ.
هل باستطاعة العراق تبديد المزيد من الوقت بصراعات المحور الاميركي والمحور المناوئ، والمشكلات والازمات تتراكم الى الحد الذي ستعجز عن حلها كل الجهود الدولية لو تضافرت؟ ثمة سؤال جوهري ينبغي الاجابة عليه، وهو ماذا يريد العراقيون من الولايات المتحدة؟ هل يريدونها شريكا وحليفا ام يريدونها راعيا وداعما لديمقراطيتهم المتعثرة؟ ام يريدون رحيلها بالكامل وجعلها عدوا يرجمون رموزها ويحرقون اعلامها ؟
لا احد بوسعه تحديد نسبة العراقيين الذين يكرهون اميركا الى حد القطيعة، فالامر متعلق باولئك الذين يعتقدون بان خراب العراق سببه الاميركان وحدهم، فهم من آتى بالارهاب! وهم الذين يمنعون حل مشكلة الكهرباء، وهم المسؤولون عن الفساد والمحاصصة التي دمرت البلاد.
 ما الحل اذن؟ الجواب هو في اخراج اميركا من العراق، والتفرغ لبناء دولة قوية بدون فيتو اميركي يتدخل في السياسات.
ماذا عن العراقيين الذين لا يعتقدون بهذه الاعتقاد ولا يتبنون هذه الرؤية الثورية؟ هذا الامر متروك لهولاء وشأنهم، فالواجب الثوري والرؤية العقدية هي ماينبغي ان يكون البوصلة، ماعداهما لاقيمة له الان، وحتى يتم حسم الامر بين العراقيين انفسهم، فان كل شيء سيظل معلقا على الصراع بين مشاريع الافكار والايديولوجيات ووجهة الصراع الاقليمي والدولي، فالساحة العراقية لاتنتج افكارها بنفسها وهي مستجيبة للاصداء ومستهلكة للشعارات، المصلحة الواقعية العراقية لا تحضر الا بعد انقشاع السحب الثورية وانكشاف الحقائق التاريخية.