هي.. وصورتها البليغة

ثقافة 2021/07/27
...

 د. نصير جابر
 
لنا أن نتساءل بكثير من الموضوعية والحياد والجديّة عن أهمية الصورة الفوتوغرافية في تاريخ النظرية النسوية المعاصرة، وعن الأثر الفعّال الذي من المفترض أن تؤديه هذه الأداة الفنية المهمة: (الصورة) في تثبيت وتأسيس وترسيخ مباني هذه النظرية، فضلا عن دورها الأصيل في أرخنتها وأرشفتها ونشرها ودفع المتلقي الجديد الوافد إليها من حقول معرفية أخرى للتماهي معها والاندكاك في تفاصليها الدقيقة والمتشعّبة.
وهنا لا نقصد بالصورة الفوتوغرافية فقط تلك التي وثقت للحظات مفصليّة أو مشاهد  لمظاهرات أو احتجاجات نسوية بل الصور كلّها التي رافقت مسيرة هذه النظرية بموجاتها
الثلاث.
فلا يمكن أن نلج عالم النسوية مثلا من دون التعرّف على وجوه مثل بيتي فريدان (1921 - 2006) أو سيمون دي بوفوار (1908 - 1986) أو نوال السعداوي (1931 - 2021)، وهذا التعرّف له بعد آخر غير البعد الواقعي الذي نألفه ونتوقعه من رؤية الوجوه وتأمل ملامحها بل يجب أن يتعداه إلى ما يمكن أن نسميه بالتحريض المعرفي الداعي إلى البحث عن أصحاب هذه الوجوه في أروقة المعرفة التقليدية وغير التقليدية خاصّة الآن  في لجّة التسارع المعلوماتي العالية التي تجرف كل ما يقاومها ولا يثبت أمامها إلّا كل ماهو رصين وعميق وواقعي ومرتبط بقضية انسانية حقيقة.
أما الصور النسوية الأخرى التي تسكبُ فيها محمولات رمزية عالية فهي الأجدى والأهم والأكثر مركزيّة في انتاج الخطاب المتعالي، وقد لا تكون هذه الصور قد أخذت بقصديّة ولكنها لو وضعت داخل النسق الحاضن لها ستكون ذات أثر كبير وفعّال، ولعل من أقربها إلى الذهن صورة (جينيفر هالر) وهي من أوائل المتطوعين في العالم لتجربة لقاح كورونا، وهي عندي صورة نسوية بامتياز. 
فقد ظهرت هذه المرأة بملابس بسيطة جدا  ووجه وديع خال تماما من أي مساحيق تجميل وبقصة شعر مهملة وقد ارتسمت على ملامحها علامات الوداعة والتقبّل وهي تجلس بتراخ لتتلقى الجرعة الأولى في العالم من لقاح لوباء فتّاك في طور التجريب من يد طبيب يرتدي كمامة واقية، ونلاحظ أيضا أثر لضمادات صغيرة على يديها الاثنتين تخبرنا بأنها قد أعطت دمها قبل
قليل.
هذه الصور المعبّرة التي تشي بالشجاعة الكبيرة والجرأة العالية والاقدام والتضحية ستكون دائما متغلغلة في نسيج خطابات النسوية القائمة على صنع وبث المساواة ولكن شرط  ظهورها في حيز لغوي ساند يجعل من كل جزئية فيها محورا مهما للنقاش والحوار
البناء.
يقول رولان بارت (1915 - 1980) وهو من أوائل المفكرين الذين نظروا لأهمية الصورة إنها (تكرّر ميكانيكيا ما لا يمكن أن يتكرّر وجوديا) بمعنى أن (ما تنسخه الصورة الفوتوغرافية إلى ما لانهاية لم يحدث إلا مرة واحدة)، وهذه الرؤيا المتقدمة لدور الصورة يمكن سحبها إلى مستويات الخطاب الذي سيظل يتوالد دائما وبحسب الظروف المعطاة التي تصنع الاتجاه الذي تريده النسويات في نضالهن الطويل من أجل حياة
 عادلة.