رموز الجسد والمشاركة بالطقوس

ثقافة 2021/07/27
...

 ناجح المعموري
 
ربما يثير القديس اوغسطين ردود فعل ثقافية، لكنه في الانشغال الفلسفي للعلاقة بالجسد، ندنو منه اكثر ونجد بأنه امتداد للثقافة الفرعونية التي تعرف عليها جيداً واكتشف تفاصيل للعلاقة بين المذكر والمؤنث. طاقة الالهي المفوض بواسطتها للابقاء على جسد الانثى مكشوفاً، معروضاً للكشوف. لذا لم يكن موقف القديس مفاجئاً فالالهة، مثالاً الاله (مين) ملاحق لكل النساء، ومفتض العذارى وخصب امه. ويتضح الفعل المشترك بين (مين) واغسطين وكان الادخال بالام يكشف شهوة لا مثيل لها، لذا ظل اوغسطين يستعيدها ويعيش لحظاتها الاولى، على الرغم من فارق العمر الكبير، لان المرأة لا يعطلها الزمن عندما يتقدم بل يضيء الجسد وتفيض به الحاجات والشهوات. 
ووجدت في متابعتي أن المقدس يحافظ على الجسم ويبقيه مماثلاً له، بعيداً عن المدنس ولائذاً بالمقدس، ومثل هذه الاستمرارية تمضي بالاثنين لما يشبه الجنون. وكان الاختيار الفريد متمثلاً باستمرار الوريث قوياً ومستبداً متمتعاً بالموروث، لانه امتداد للاله الرب وتحقق الحضور المادي والرمزي للمعبد، على الارض او صاعداً نحو السماء وتبدّى في العمارة الاسلامية عبر المنارة. 
مثل هذه الرمزية الكبرى التي جعلت المعبد/ الزقورة متناظراً مع السماء التي اختارها الالهة في العراق القديم. لكنها ــ السماءــ ليست مكاناً ثابتاً، بل تنزل للارض متى رغبت.
الاندماج قوي جداً، تداخل طاقتين، وقوتين يمارسان فعلاً خلاقاً كلياناً يتجسد بالادخال الجنسي الرمزي. نزول مني الاله آنو/ المطر لتخصيب الارض وصعود التجدد والانبعاث والتشارك الادخال، اضفى دلالة رمزية عظيمة للارض التي تتحول سماء. الصراع، او الجدل قائم بين الارضي والمتعالي، لكنه جدل انبعاثي وجمالي. 
وهذه العلاقة بين المعبد الصاعد/ المجازي. والارض الفاتحة كل ما موجود في جسدها لتخصيبها هو شكل سيروري، متعال بالخيال، ويفتح مجالاً للفحص والقراءة. انها حلم تحقق سريعاً وخاطفاً وانجز ما تحتاجه الكينونة وينتظره الكائن. لكن الانتظار ليس آنياً او لحظياً، لان مثل هذا الحلم الذي يتداخل فيها المتسامي مع الارض لا يترمد، بل يتجدد. 
ان الصراع بين العالم والارض ــ كما قال ابن عربي او (بين مكوني كل جماليات ممكنة: المادة والصورة) تغدو حقيقة العمل الفني جوهره وطابعه الابداعي حقيقته.
ونستطيع توظيف الخلق او التكون ونجعل منهما عملاً فنياً، وهذا ما تفضي اليه الاساطير والملاحم، لان انفتاح الجسد لا يختلف عن انفتاح الارض لمني آنو/ مطره. هذه الصورة لها تمثيلات هائلة، ذات حضور في  المعبد الارض المخيّر للصعود لحظة ما يريد نحو السماء. وانا ميّال الى الصورة / الختم، النحت..الخ والتعامل معها باعتبارها شيئية تتمتع بجوهر وكينونة، تقود بهدوء الروح الكامنة المانحة للثنائية الرمزية لجسدين جبارين هما السماء
والارض. 
لذا انطلق هايدجر من السؤال عن الشيء لينتهي الى فتح العمل الفني على طابعه الروحي من خلال انتصاب المعبد، ففي انتصاب المعبد تحدث الحقيقة. لان المعبد يمنح الاشياء مظهرها والناس النظرة المستقبلية الى ذاتهم، ولانه يمنح الحضور للالهي اي المقدس. لكن هذا الانتصاب يتم على القاعدة الصخرية، اي على الارض. وهكذا يوضع العالم على الارض والمتعالي على الشيئين، او اذا شئنا ان نعرج مرة اخرى على كوربان فإن الارض تغدو ارضا سماوية. 
هذه احدى تمثيلات الانثى العارية الصغيرة، والتي تجعلها تعبيراً عن انثى الكليانية الارض التي وحدها القادرة على استيعاب المذكر المتعالي/ والمقدس، وحتى المتباهي بوجوده في السماء وتتفاخر بامكان حركته في كل الاماكن، السماء، الارض، البحر/ تحت الارض. هذه الخصائص تجعله طاهراً من الدنس، حتى عندما يزاول الادخال في الانثى الرمزية/ الارض، يظل مقدساً غير
 ملوث. 
نستطيع تنشيط الخيال ونجعل من فعل المقدس صورة تتسع لها الارض وتحوز ألوانا تكسو السطح المبلل. هذا الخيال يفتح فرصاً للتأويل، لانه الدينامية الفاعلة التي تمنح للخيال قوته وحقيقته من حيث هو مصدر الخلق وماهيته في الان نفسه كما قال فريد الدين الزاهي. لان التأويل المفرط يقود الخيال نحو الصورة التي ورثتها الارض وتجسدت الثنائية الادخالية بين الكاهنة او الكاهنة في احدى غرف المعبد. 
المعبد هو الارض/ الانثى المقدسة والمعبد هو الاله المتعالي غير المقدس، وكلاهما يوفران ادخالا منشطاً لكل تفاصيل الحياة المعبرة عنها بواسطة الاشياء/ الشيئية التي تحدث عنها هيدجر ولم يحرمها من طابعها الروحي، عندما جعل المعبد منتصباً، مذكراً، لان صعود قمة المعبد قضيب منتصب يحفز الارض لتكون سماء. بمعنى التناوب بالموقع مثل او الفضاء متحقق ومستمر، لذا كرست باشلار عناصر نظرية الخيال الاربعة الماء/ التراب/ الهواء/ الشمس وصار لها رأسمالاً له حضور في كل العمليات الحياتية بما فيها انظمة الخصوبة في الحياة وكليانية العالم. كانت وظلت عناصر نظرية الخيال ذات حضور قوي تتماهى بعضها مع الاخر المتماثل معها في الحياة، لذا بالامكان قراءة وتفسير كثير من الظواهر الثنائية باعتبارها علاقة اتصال وتفعيل للجسد الانثوي من خلال تجاور المذكر معها. هذه الثنائية هي الطاقة الكبرى في العالم والتي ذهب اليها كل من يونغ باعتبار السماء ماء الذكورة/ مني الاله آنو.
مع الام/ الانثى الرمزية/ الارض حيث يدخل العالم كله ضمن الفضاء المحدود في احتفال عرسي مقدس، وطقس احتفائي تبتهج به الدنيا.
ان التمثيلات الكثيرة في تاريخ الفن العراقي ذات جذور عميقة ومثل التصاوير الغفيرة الموزعة في متاحف العالم هي الكلام الرمزي الذي عبر عن مرحلة تاريخية مهمة وحساسة. لانها تضفي على الحياة ملحماً رمزياً يتمكن بها وبوساطتها الدائمة والحركية من ان يغدو عالماً ممكن التعالي، يسعى باستمرار الى تغيير طابعه الانطولوجي.
الصورة بهذا المعنى تعمل عمل الرمز وتعمل عمل الاشارة في معناها الباطن والظاهر. ولان ثمة الرمز ثمة التأويل ولان ثمة الخيال فثمة التأويل، ولان ثمة التأويل هو الدينامية الفاعلة التي تمنح للخيال قوته وحقيقته من حيث هو مصدر الخلق وماهيته في الان نفسه/ فريد الزاهي/ الصورة والاخر/ دار الحوار.