اللقاحات وخطر الجهل بها

آراء 2021/07/27
...


   رعد أطياف
يقال إن الامام علي بن أبي طالب (ع)، وفي إحدى سني خلافته، أراد أن يطبّق الحد الشرعي على أحد المخالفين، فاجتمع الناس من كل حدب وصوب للفرجة. فصرخ بهم الامام علي بن أبي طالب {لا مرحباً في هذه الوجوه التي لا ترى إلا عند كل سوءة}.
هذه الوجوه التي صرخ بها الامام عليّ لم يرها في نشاطاتٍ خيريّة ولا في واجباتٍ عسكرية تتطلّبها الدولة آنذاك؛ إنّهم العاطلون عن كل عملٍ خيريّ؛ تجمعهم الطبول وتفرّقهم العصيّ، ليس لهم نشاط نافع سوى بثّ الشائعات والأكاذيب.
 ومعلوم أنه في كل زمانٍ ومكان تتواجد هذه الفئات، غير أنهم يشتركون بذات السمات: يجمعهم القيل والقال، أو كما يصفهم الامام علي بن أبي طالب في موضع آخر: {.. همج رعاع، ينعقون مع كل ناعق، مع كل ريحٍ يميلون، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، أولئك أشبه بهم الأنعام السائمة}.
 وفي البلدان التي تمرّ بتحدياتٍ جسيمة تظهر هذه العيّنات بكثرة، وسيكون لهم جواب لكل سؤال، وتسري فيهم الخرافات سريان الدم في العروق. لقد وجد هؤلاء ضالتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذه المرّة لديهم مهمّة مُحَدَّدَة: نشر الشائعات الكاذبة حول لقاح فيروس كوفيد- 19، وممّا يؤسف له، وجدوا ما يعزز خرافاتهم عند بعض الأطبّاء، فاجتاحت البلد إشاعات لا تستند إلى علم أو هدىً أو كتاب منير. 
وعلى الرغم من الجهد الاستثنائي الذي بذلته وزارة الصحة وملاكاتها المتخصصة في الإرشادات الصحيّة اللازمة. وعلى الرغم من توضيح بنية الفيروس وتاريخه وأعراضه المستقبلية من قبل العلماء. وكذلك توضيح أهمية العقار المضاد لهذا الفيروس الفتّاك، وضرورة أخذ اللقاح بأسرع ما يمكن من خلال التسجيل المسبق عبر المنصات الالكترونية التي وفرتها وزارة الصحة. كل هذه المحاولات الاستثنائية والعظيمة لملاكاتنا الصحية، وبالرغم من هذه التحديات الجسيمة لم تقنع مدمني الشائعات وأصرّوا على الممانعة من أخذ اللقاح.
 ليس هذا فحسب بل يشجّعون غيرهم على عدم التورّط بأخذ اللقاح!. أنهم لا يستريح لهم بال ما لم تحذ الناس حذوهم. لا نصائح المراجع الدينية، ولا لوائح وإرشادات وزارة الصحة، ولا الأوراق البحثية، ولا التقارير العلمية المُطّوَّلَة، ولا المليارات الثلاثة من البشر الذين أخذوا جرعة اللقاح استطاعت أن تثني العزيمة الصلبة لإصرار الجهلاء على جهلهم. 
إن الصبر على هذه الظاهرة المشينة ليس فضيلة على الإطلاق، بل ردعها وإيقافها عند حدها هو فضيلتنا الحالية، لأننا أمام وباء مرعب سيفتك بهذا البلد المُعَرَّض لانتشار الوباء على أوسع نطاق مالم تتخذ الجهات المعنية إجراءات حازمة، لكي لا تنتصر علينا سلطة الجهل وتعلن نفسها كقوّة مؤثرة في صنع القرار!.