وماخفي من النقد الثقافي

ثقافة 2021/08/02
...

علي حسن الفواز
 
النقد الثقافي ليس بدعة، ولا محاولة للتخلص من هيمنة النقد الادبي، ولا حتى التفكير بطرده، لكنه ليس خيارا للتعسف، ولتأطير الكتابة النقدية في قوالب، أو وضعها أمام تعويمات من الصعب ضبط ايقاعها.
حقيقة النقد الثقافي تكمن في أنه وعي آخر بفاعلية الكتابة، واضافة لها، وتوسيع مجال كشوفاتها، وتعزيزها بقوة ما تصنعه القراءة، إذ يعني الثقافي هنا الكشف عن النسقي العميق في النص، بوصفه حاملا لفكرة 
أو لمعنى، أو باعثا لاشارة تتقصى ماهو مُغيب بسبب ضغوطات شتى، قد يدخل فيها السياسي والديني والايديولوجي، وقد تكون التابوات الكبرى هي المانع من الاشهار 
والإبانة..
ما يعطي للنقد الثقافي شغفه ومفارقته هو أنه ممارسة تتجاوز اللساني الى الدلالي، وتفصح عن انساق ثقافية مضمرة قد يُخفيها الادبي تحت مهمينات بلاغية او استعارية، وهذا ما يعطي لهذا النقد حافزه في تحويل القراءة الى فعل استدعاء لماهو خفي في تلك الأنساق لغرض درسها، والتعرف على حمولتها، والكشف عن المهيمن فيها، وهذا مايجعل فعل النقد أكثرانفتاحاً وتحررا، على مستوى المقاربة، أو على مستوى تأهيل مفهوم النقد لكي يكون أكثر وعيا بمدى علاقة النص الادبي بالثقافي في سياقاته المتعددة، واكثر تمثيلا له، من خلال معرفة علاقاته بتقانة تشكيل الخطاب، وكيفية توظيفه في التمثيل الأدبي والجمالي والمعرفي، وحتى في السياسي والايديلوجي والسردي.
ليس صعبا أن يوصف النقد الثقافي بأنه جزء من «النقد النصوصي» أي أنه يتعامل مع النص، وباتجاه توسيع لعبة المكاشفة، لكن الصعب أن يتحول هذا التوصيف الى لعبة طرد لـ»الادبي» أو اخفاء له، تجاوز قصدي  لماهو جمالي وبلاغي، فأنا أحسب أن النص هو مُركّب ينبغي أن يضم كثيرا من التفاصيل، التي تجعله مقبولا، ومتداولا، وغير خاضع لاحتكار «نسقي» يُلبسه قناعا آخر للهيمنة، أو لتحميل النص ما لا يحتمل من الاحالات والمضمرات، ومن ثم سنجد انفسنا أمام نصٍ لا هوية له، ولا استهلاك له، وتحت يافطة أن النقد الثقافي اباح الوظائف، واعطى للقبحي مثلما اعطى للجمالي، وهذا التقدير فيه كثير من التعسّف، والاقصاء والتهويل النقدي الذي يواجه عنتا شديدا، حتى وإن وجد نفسه مغلولا الى صيانات منهجية لا تحميه من ذائقة القارئ الذي يبحث عن اللذة والمتعة مثلما يبحث عن الفهم والمعنى.