عبد الوهاب البياتي.. الاستعادة والتجاوز

ثقافة 2021/08/03
...

علي حسن الفواز
 
مع ذكرى رحيل الشاعر عبد الوهاب البياتي نستعيد عددا من الاسئلة الشعرية التي تتعلق بمفاهيم الريادة، والتجاوز، وبخصوصية التجارب الشعرية التي أطرّت توصيف الريادة عربيا وعراقيا، واعطت للقصيدة الجديدة حضورا جعل منها أنموذجا، وعلامة، وأفقا مفتوحا لفاعلية التجديد والتحديث الشعريين..
تجربة البياتي لها خصوصيتها، ولها «سحرها» الجمالي، وتكوينها البنائي، والتي جعلت منها مدخلا للحديث عن ماتعنيه الريادة من جانب، وما يمثله التجاوز من جانب آخر، لا سيما مايتعلق بما هو مفهومي، وبنائي، وتاريخي، إذ ظل مفهوم التجاوز الشعري من أكثر المفاهيم التباسا وغموضا، لعلاقته المفارقة بمركزية القصيدة العربية وقوتها التاريخية، وعلاقتها بالمقدّس، والذاكرة، واللغة والهوية، فضلا عن علاقته الاشكالية بمفهوم «الحداثة» والتي اسهمت الى حدّ كبير في اثارة المزيد من الاسئلة المغايرة، تلك التي مسّت الفكر والنظام الثقافي، مثلما مسّت اللغة وسياقات بلاغتها واستعارتها ومجازها، وهي قضايا موضوع جدلٍ دائم من الصعب ضبط تلقيها وتداولها، والتجاوز على ماهو قارّ فيها، وبرمزيتها التي تكرست عبر قرون طويلة، وعبر «ريادات» كبرى، لها أثرها في الوجدان، والذاكرة، وفي التجاوز الشعري ذاته..
ذكرى البياتي لا تعني استعادته كشاعر اكتفى بالريادة، وشكّل مع بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وبلند الحيدري فضاء أطلق عليه «مجازا» ريادة «قصيدة الشعر الحر» بقدر ما تعني استعادته جملة من المتغيرات الشعرية والنقدية التي ارتبطت بحيوية تجربته الشعرية، بدءا من مغايرة علاقة التسمية بالواقع، وبالنمط، ولا تنتهي بعلاقة تلك القصيدة بتجارب عالمية كبيرة، نهل منها الرواد من الشعر الانكليزي كما حدث مع السياب وتماهيه مع «ت. س، اليوت» و«ايدث ستويل» او ماحدث مع البياتي، وتأثره بشعراء مثل اليوار، وارغون، ولوركا، وناظم حكمت وغيرهم.
مفهوم الحرية في توصيف هذه القصيدة وبمتغيراتها ارتبط بطاقة تقويض البنية العمودية لها، من دون إلغاء لنظامها الوزني ولموسيقاها، وهذا ما جعل من فعل التجاوز مثارا لأسئلة جديدة، انفتحت على ازاحات كبرى، قادت الى مغامرات والى مقاربات تعالقت مع الاسطورة والتصوف والتاريخ، ومع تحولات لم تنته بقصيدة النثر، فضلا عن تعالقاتها السياسية والايديولوجية، والتي كان البياتي من أكثر الشعراء الرواد تمثيلا لها، فضلا عن نزوعه للتمثيل التاريخي بأقنعته الشرقية والصوفية، وعبر رموزه المتعددة، تلك التي بدت واضحة في عدد من كتبه الشعرية، مثل « سيرة ذاتية لسارق النار، قمر شيراز، بستان عائشة، سفر الفقر والثورة، نصوص شرقية، عذابات وضاح آخر»
وغيرها..