يقال إن أطول حلم يراه الانسان يستغرق اقل من عشر ثوان، وما مر بي قبل اسابيع لم يكن حلماً، بل هو كابوس مخيف غطى اعواماً لا تحصى ولا تعد من حياتي، فقد رأيت فيما يرى النائم بأنني موظف بسيط في مديرية (التنمية البشرية)، وكان ذلك في اواخر شباط من احدى السنوات التي فاز فيها اليسار المتطرف، وقام بتشكيل حكومة جديدة لوحده، كنا في عز الشتاء والبرد والمطر حين تم تعيين مدير عام بديل عن المدير القديم، وكما هو معروف اجتمع بنا المدير الجديد نحن صغار الموظفين – كان عنواني هو مسؤول شعبة الاعلام المنحل، ولاشك فانه عنوان غريب للغاية – وبعد الترحيب بنا سألنا بلطف عن احتياجات الدائرة الضرورية والمستعجلة، فاخبرناه بالاجماع، ان سقف الدائرة يعاني من التآكل والتشققات، وفي ايام المطر يتسرب الماء الى الغرف ويبلل المناضد حتى انه في احدى المرات اتلف الاضابير.

استمع الرجل الى ملاحظاتنا بروح ثورية متحمسة ثم قال (طلبكم مشروع ولكن هناك اولويات يجب مراعاتها، وفي المقدمة منها التخلص من آثار اليمين المتطرف، وهكذا قام الرجل باتخاذ خطوتين، الاولى: عزل مدير المكتب والمعاونين وأفراد الحماية ورؤساء الشعب والاقسام عن مواقعهم وتعيين ملاكات جديدة، والثانية : تخصيص90 % من ميزانية الدائرة لتأهيل (غرفته) وقاعة الاجتماعات الملحقة بها تأهيلاً كاملاً، شمل الارضية والجدران واللوحات والارائك والمناضد والسجاد، وكان يتابع العمل بنفسه ولا ينفك عن التصريح ان اي شيء يمت بصلة الى اليمين المتطرف، حتى العامل الذي يقدم القهوة للضيوف، يسبب له حساسية تؤثر في ادائه وكفاءته، وقد استغرقت عمليات التغيير والتأهيل اربع سنوات كاملة بحيث لم يجد امامه الفرصة الكاملة لمعالجة السقف!.

في أواخر شباط من السنة الفلانية فاز اليمين المتطرف من جديد في الانتخابات وقام بتشكيل الحكومة لوحده، وتم تعيين مدير جديد لدائرتنا وكانت امامه مهمتان رئيستان (عزل المدير السابق ورؤساء الاقسام والشعب وافراد الحماية، وتعيين بدلاء عنهم، وتخصيص 95 % من الميزانية لتأثيث غرفته والقاعة) ولم يتسن له اصلاح السقف مع قوله امامنا نحن صغار الموظفين بأن طلبنا مشروع!.

بعد 4 سنوات وفي اواخر شباط فاز اليسار المتطرف من جديد وشكل حكومة لوحده، وجرى كل شيء كما يجري في العادة بعد كل انتخابات، وتم تعيين مدير عام جديد قال لنا (طلبكم مشروع) ولكن الاولويات تتمثل في مهمتين، الاولى هي التخلص من كل أثر لليمين المتطرف، والثانية تخصيص (....) وقبل أن يذكر النسبة انهار سقف البناية على الجميع!.