ليتنا نحظى بهذا البطل!

الرياضة 2021/08/10
...

علي رياح  
إحدى وأربعونَ سنة من عمر الزمن، مرّت على رحيل الأسطورة جيسي أوينز عن عالمنا مودعاً كنزاً رياضياً غاية في الثراء، ومخلفاً لدى كل من عرف الرياضة تأريخاً انسانياً وجدانيا قلَّ نظيره.  
لكن هذا الرجل الذي ولد مناضلاً مقاوما كل أشكال التمييز أو الفصل العنصري في أميركا قبل تسعين سنة، يولد اليوم لدى محبيه الذين يدّعون ـ بفخر ـ أنهم أحفاده الذين يترسّمون خطاه، يقتفون مآثره، ويتتبعون آثاره في كل بصمة لأدائهم الرياضي .. وهو ما يدفع بالمؤرخين في كل حين للعودة إلى تلك الخبايا التي اندثرت ـ أو أوشكت على الاندثار ـ في رحلة الرياضي الموهوب الذي فاقت شهرته كل الأبعاد، وتجاوزت انجازاته كل المديات، حتى أن أدولف هتلر قال حين نظمت بلاده الألعاب الاولمبية عام 1936 (ليتنا نحظى ببطل من طرازه).. قالها الفوهرر في ذلك الوقت بعدما اشتعل كيانه غيظاً ونظر شزراً إلى ذلك العداء الزنجي وهو يتسلم أربع ميداليات ذهبية يعيد بها الصفعة إلى خدود كل من شتموا إسمه أو جنسه أو بشرته!  
لكن الخبراء حين يسترجعون أسطورة جيسي أوينز بعد دورة طوكيو الأولمبية ببحوثهم المُغرقة في الأرقام والمعطيات، يذهبون إلى أبعد من تلك الجوانب الانسانية التي أضاءت حياة أوينز ونشرت اضواء مبهرة من الألق الرياضي لدى العشرات غيره ممن أصبحوا أبطال العالم وحملة الأرقام القريبة من المستحيل في الأركاض السريعة.. حتى أن دراسة أخيرة أشارت إلى أن إنجازاً حققه أوينز قبل 83 سنة في الوثب الطويل لا يمكن اعتباره جزءاً منطقياً من النسيج الرياضي للعقد الثلاثيني من القرن المنصرم، ذلك لأنه حقق رقماً فذاً بلغ ثمانية أمتار وستة سنتيمترات!  
في طوكيو وحين استأثر النجوم السمر بجُـل الأضواء خصوصا حين تعلق الأمر بألعاب الساحة والميدان، هازئين بكل الحسابات التي تلقي للجنس أو البشرة بالاً، طرحت على مدرب عالمي ما يوصف بأنه السؤال المزمن في كل دورة أولمبية أعقبت جيل أوينز الثلاثيني، قلت له: أحفاد أوينز لا ينقطعون، لا بل انهم يتكاثرون، ويصرون على أن (الأركاض) عهدة لهم وبهم لا يمكنهم التخلي عنها.. هل وجدت أنت السر في ذلك غير كل ما قيل من قبل؟!  
الرجل الذي تلقـّف سؤالي كأنه يتوقعه قال باسماً: إنها هبة من الله.. إنه وحده يعطي الموهبة والقدرة.. إنها مشيئته. 
أعجبني رد المدرب ، لا بل هزّني من داخلي ، لكني أستطيع أن أزعم أن كل الدراسات التي بحثت في كيفية تخصص العدائين السمر في الهيمنة على معظم فعاليات الأركاض ، لا تلامس حتى الآن ما يمكن وصفه بالأسباب الكاملة التي تخرج عن أجواء التدريب والتطوير ومناخ المنافسات.  
هذه القناعة الراسخة التي ربما سيغيرها الخبراء ذات يوم قريب أو بعيد، بأدلتهم الكافية الوافية الشافية، تعيدنا حتماً إلى تلك الكلمات التي أطلقها جيسي أوينز بعد أن أجبر النازي هتلر على مديحه.. لقد قال وقتها.. (أنا لا أكتب في برلين تأريخاً لنفسي ولا حتى لبلدي فحسب، إنما أضع كذلك اللبنة الأولى لانقلابات أخرى ستحدث في ميدان الرياضة.. سيأتي يوم أتحول فيه من رمز مؤثر إلى سطر واحد في صفحات طويلة يكتبها الرياضيون السود.. لقد منحهم الله في الرياضة سبب التمسك بلونهم، والتباهي به).