الفيلم الوثائقي «لم تكن وحيدة»

الصفحة الاخيرة 2021/08/16
...

  بغداد: الصباح
ربما يظن البعض من المخرجين الشباب أن الفيلم الوثائقي ليس بذات الصعوبة التي يكون عليها الفيلم الروائي، وهو ظن في غير مكانه تماما، بل ان الفيلم الوثائقي قد يكون أكثر صعوبة من حيث خصوصيته التي تختلف عن الفيلم الروائي، فالوثائقي هو تناول للواقع، سواء كان هذا الواقع حاضرا أو من الماضي، وتناوله بأمانة وصدق مهمة ليست بالسهلة أبدا، خصوصا تلك الأفلام التي تتناول حقبة تاريخية معينة شهدت أحداثا كبيرة، كالحروب والانقلابات السياسية، اذ تختلف الآراء حولها وبالتالي يختلف تناولها  وثائقيا.
فضلا عن ذلك فإن العمل على الفيلم الوثائقي يتطلب الكثير من توفر المعرفة في طبيعة المكان، كونه مكانا حقيقيا وليسا مختلقا كما في الفيلم الروائي، وكذلك معرفة كيفية التعامل مع الممثل، خصوصا البطل فيه.
المخرج حسين الأسدي يبدو أنه عرف كيف يتعامل مع صعوبات الاشتغال على هذا النوع من الأفلام من خلال فيلمه الوثائقي «لم تكن وحيدة»، والذي يتناول الحياة الحاضرة لسيدة سومرية من الأهوار، سيدة بقوة نساء سومر وما حيك حولهن من حكايات بطولة وإيثار.
 
العنوان
لم تكن وحيدة هو عنوان الفيلم ـ الذي يحاول اللعب على المتن الذي تجد فيه ان هذه المرأة هي وحيدة تماما، إلا من بين من القصب، وبعض حيواناتها الداجنة، وهنا أراد الأسدي أن يقول إنها 
ليست وحيدة، فسعادتها هي بوحدتها وعيشها وحدها في فضاء الهور الواسع، الذي فراشه ماء مليء بالأسماك، 
وسماؤه تسرح فيه الطيور المهاجرة، التي تعيش على قصبه الوفير.
 
الحكاية
سيدة سومرية تعيش وحيدة في بيت من القصب، خبرت حياة الهور، عاشت الحياة بكل تفاصيلها، تزوجت وأنجبت، إنفض الجميع عنها كل في حال سبيله، لم ترض أن تعيش مع أحد من أولادها وهي التي تعودت ان تكون قائدة وربة البيت، فكيف ترتضي أن تعيش بدون هذا الدور، لذلك قررت العيش وحيدة والعمل بذات الهمة، وكأن الجميع ما زالوا حولها رغم انها استأنست بحيواناتها، التي تربيها لتخفيف وحشتها وبالعمل اليومي المتعب لكي تبعد عنها أي تفكير قد يعكر صفو وحدتها، على كل واحدة من جواميسها أطلقت اسما، فهي نلعب دور الأم المالكة لهن، تنهض صباحا لتعتني بكل شيء، ولا تهجع لفراشها إلا حين تطمئن على الجميع.
 
الاشتغال
يبدو أن حسين الاسدي قد عرف كيف يتعامل مع بطلته، فتركها على سجيتها تتحدث كيفما تريد، ولم يسمح للكاميرا ان تربكها، فكان حديثها عفويا وممتعا.
كاميرا الاسدي بحثت في حيثيات المكان بدقة، فمكان مثل الهور يتوفر على مكامن جمال كثيرة، يمكن للعين المجردة والبسيطة اكتشافها، فكيف بمخرج تصدى لعمل فيلم حكايته تدور فيه، لذلك فقد توفر الفيلم على مشاهد جميلة، أسهمت في خلق متعة مضافة للمشاهد.
لم يهمل حسين الاسدي مرحلة ما بعد الانتاج او ما تسمى «البوست برودكشن»، فكانت الالوان جميلة للغاية كذلك الصوت.
ولكن لا يخلو أي فيلم من ملاحظات قد لا يراها البعض، بينما يؤشرها البعض الاخر، من هذه الملاحظات ان بطلة الفيلم بدت مربكة في بعض الاحيان، وان كان هذا ليس فيه مثلبة على الفيلم، لكن كان بالإمكان تجاوزه بإعادة المشهد عدة مرات، كذلك انا بالذات كنت بحاجة الى موسيقى تصويرية تتناغم مع جماليات المكان تارة، ومع حكاية البطل ثانية.
لم تكن وحيدة فيلما وثائقيا مهما يستحق أن يشارك في أرفع المهرجانات وان يعرض في الكثير من الفضائيات لو وزع بشكل جيد.