المحكمة الاتحادية وحماية ديون الدولة

آراء 2021/08/18
...

  سلام مكي
اعتبر المشرع العراقي أن دين الدولة المترتب بذمة الأشخاص، لأي سبب كان، يعد دينا ممتازا، بمعنى أن له الأولوية في الاستيفاء على حساب باقي الديون. ولأن المشرع يدرك تماما أهمية استيفاء الديون الحكومية، سعى إلى إيجاد نصوص قانونية تختصر الاجراءات القانونية العادية المتمثلة بإقامة دعوى أمام القضاء للمطالبة بالحقوق، 
ومن تلك الاجراءات هو قانون تحصيل الديون الحكومية، الذي وضع آليات قانونية مختصرة وسريعة لاستحصال الدين الحكومي، بعيدا عن القضاء. إلا أن تلك الاجراءات ليست مطلقة، بمعنى أن الادارة لا تملك سلطة المنفذ العدل الكاملة، فمثلا لا يمكن للإدارة أن تقرر حجز المدين إلا بعد مفاتحة المنفذ العدل، وكذلك المنفذ العدل، يقوم هو الآخر بمفاتحة قاضي البداءة لاصدار قرار بحجز المدين بعد أن يتم سلوك جميع الطرق لاستحصال الدين. 
ومن الأحكام القانونية لحجز المدين هو نص المادة 32 ف ثالثا من قانون التنفيذ رقم 40 لسنة 1980 المعدل، والتي تنص على إمكانية الدائن وخصوصا دوائر الدولة الطلب من المدين تقديم كفيل ضامن قادر على تسديد الدين، وعند رفض المدين ذلك تتم مفاتحة قاضي البداءة المختص لحبس المدين واستمرار حبسه لحين تقديم كفيل ضامن. هذا النص القانوني المهم والذي يسهم وبشكل كبير في ضمان الحماية القانونية للمال العام والخاص، تم الطعن بعدم دستوريته من قبل نائب المدعي العام في محكمة بداءة الهاشمية الذي يطالب المحكمة الاتحادية إصدار حكم بعدم دستورية هذا النص القانوني، لأنه أي نائب المدعي العام، يرى بأن ذلك النص مخالف للمواثيق الدولية والاعلان العالمي لحقوق الانسان ويخالف الدستور الذي ينص على أن حرية الانسان وكرامته مصونة... الخ من الاسباب التي استند اليها نائب المدعي العام. والحقيقة أن الادعاء العام، من ضمن مهامه الأساسية والمهمة هو الطعن بعدم دستورية النصوص القانونية التي يرى أنها مخالفة للدستور. وهنا مارس المدعي العام، سلطته التي منحه إياها قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017، وطعن في نص قانوني، يرى أنه مخالف للدستور وللمواثيق والأعراف الدولية. 
إن من المبادئ الأساسية للديمقراطية هي الحرية وحرية الانسان لا تقيد إلا وفق قانون، وحرية الانسان وحقوقه تنتهي عندما تبدأ حريات الآخرين وحقوقهم. فالحق في الحرية هو الباعث الذي جعل نائب المدعي العام، يطلب من المحكمة الاتحادية الحكم بعدم دستورية نص قانوني، يرى أنه يقيد تلك الحرية بشكل متعسف نوعا ما، ولكن بالمقابل، فإن النص القانوني ذاك، يوفر حماية للمال العام وللمال الخاص، بشكل كبير، ويساعد الدائن على امتلاك وسيلة قانونية مهمة تجبر مدينه على تسديد ما بذمته من دين تجاه الدائن، فلو افترضنا عدم وجود هذا النص القانوني، هل توجد طريقة قانونية تضمن تحصيل الدين؟.