صورتان فصلت بينهما اربعة اعوام ونصف تقريبا، لخصتا المشهد المأساوي الذي تركته موجة الرعب والتوحش الذي قادته السلفية القتالية في العراق وسوريا، الصورة الاولى مشهد ضحايا قاعدة سبايكر العزل وهم يقتلون بحقد وتشف، لم يؤسروا في قتال ولم يكونوا يعلمون الى اين يساقون ؟ ، كان ذلك ايذانا بتمكن داعش من الارض واعلان خلافتها على الناس وتسلطها على حرياتهم ، الصورة الثانية،كانت مشهد المئات من الدواعش وهم يستسلمون في مناطق الشرق السوري ويساقون اذلاء بانكسار وضياع، بعد ان شهدوا بأعينهم نهاية خلافتهم وسقوط دولتهم، التي لم تدم سوى بضع سنوات،فكانت اسرع نهاية، لأعتى كيان غير قانوني لم يعترف به احد - حتى من اولئك الذين يشاركونهم الاعتقاد والحلم والشعار - لكنه كان كارثة بكل المقاييس وصدمة للمسلمين والعالم المعاصر ستدوم نتائجها وآثارها لعقود من السنين .حرصت داعش على تصوير مقاتليها بانهم شروا الحياة الدنيا بالاخرة وانهم صنف من البشر لايقبلون بديلا عن مشروعهم غير الموت او (التمكين)، وهو انتصار هذا المشروع وقيام الخلافة !!!! ،باستسلام المئات من الدواعش، وهروب امثالهم الى مخيمات اعدت لهم،تنكسر اسطورة المقاتل الداعشي الذي صورته دعاية داعش بانه لايقهر، وبانت حقيقة البناء النفسي والايديولوجي الذي تحدثت عنه داعش كثيرا في اصداراتها ومنشوراتها الدعائية، فعندما حوصر المقاتلون لم نر قتالا انتحاريا والموت مقبلين غير مدبرين، بل فضل هؤلاء الاسر والوقوع بأيدي من كانوا يسمونهم كفارا، في سابقة مهمة ذات دلالة كبيرة، تشي بان المشروع الداعشي فقد مقومات الثبات وزخم الاستمرار، وسقطت مرحلة التمكين، ليعود من بقي طليقا من الدواعش الى حياة الكهوف والمفازات الصعبة والاراضي الوعرة،يصولون ليلا على شاكلة قطاع الطرق ولصوص القوافل.
العودة الى مرحلة النكاية والتركيز على الخطف والهجمات، ستكون سمة المرحلة الحالية والقادمة مقترنة بنشاط اعلامي قوي لموازنة الانكسار الكبير في العراق وسوريا،وتضخيم (الانجازات) العسكرية في المناطق التي تحررت من سيطرتهم، الانكسار الداعشي الكبير سيقود حتما الى تمردات، وربما انشقاقات لتنتعش امال تنظيم القاعدة بالعودة الى الواجهة وصيرورته مركز جذب للمقاتلين الذين تقطعت بهم السبل، او الذين لايرغبون بالعيش في المضافات والكهوف المعزولة بعيدا عن حياة مرحلة التمكين، القاعدة مستعدة لاستثمار الفرصة لتسويق خطابها ومشروعها الذي يركز على (الجهاد المحلي) واجتذاب المستعدين للقتال من اجل قضايا (عادلة) تخص الشعوب وليس من اجل يوتوبيا (دولة الخلافة) التي لم يحن اوانها بعد، ستشهد هذه المرحلة التي تراجعت فيها سطوة تنظيم داعش، تصاعدا كبيرا في التنافس بين التنظيمين على الزعامة والهيمنة، ولذلك ستلجا خلايا داعش النائمة الى تصعيد هجماتها كالذي يجري في مناطق العراق الصحراوية والوعرة لايصال رسالة البقاء والثبات على البيعة، وستزداد الاصدارات الاعلامية التي تصنع اجواء الحماسة التي تحكي (بقاء) تنظيم الدولة واستمرار نشاطه، الانكسار الاكبر سيظهر اذا ماقتل البغدادي او اسر،حينها ستختبر قدرة التنظيم على اختيار خليفة له ام سيتشظى الى مجموعات، يقودها امراء يتصارعون على الزعامة؟.لكن من السابق لأوانه القول بان داعش انتهت بخسارتها اخر قطعة ارض في سوريا والعراق، فما زال لديها فروع في اسيا وافريقيا، وستتخلى عن شعار التمسك بالارض للمحافظة على صورة(الجهاد) المتحرك. وربما ستبتدئ الموجة الارهابية الثالثة على انقاض مشروعي القاعدة وداعش.