«الملاية».. صوت شجي وآهات يغمرها الحزن

الصفحة الاخيرة 2021/08/20
...

 الصباح : نوارة محمد
يومٌ متشح بالسواد، في احد البيوت، اجتمعت النسوة والفتيات، في صالة مجهزة لاستقبال المعزيات، هناك راية كتب عليها «يا حسين» تعتلي المكان، وقماشة خضراء تستقر حول مقعد خصص «للملايَّة» ومرافقتها امام الحاضرات اللائي يجلسن على شكل دائرة بانتظار بدء ممارسة طقوس الحزن، بعد ذلك يستسلمن لأول تنهيدة تلامس شعورهن ثم يطلقن العنان لدمعة مترددة بالنزول، ومعها لا نكاد نسمع سوى صوت الآهات. 
 
توظف «الملايَّة» كامل احساسها ورقة صوتها، لتقلب مواجع الحاضرات، فطابع الحزن دائم على اصواتهن، وهذا جزءٌ من ذلك الفن، لقد ارتبط عملهن بالموت والفجيعة، ليرددن ابيات الشعر و «الگولات» التي تشيد بالمتوفى في المقابر والمآتم والعزاءات، اما في عزاء سيد شباب اهل الجنة، فالأمر مختلف تماما. في مجالس عاشوراء، تبدأ «الملايَّة» الطقس بالصلاة على محمد وآل محمد، بصوت شجي حزين وآهات مكسورة تُنشد المراثي وتبدأ بسرد حكاية مأساة كربلاء، وتنوح الاخريات لتبدأ رحلة البكاء بعد أن تردد قصائد مكتوبة في دفتر بين يديها، ويميل رأسها في كل مرة نحو الحاضرات ليُرددن بعدها ردات معينة، إذ تجهش النساء بالبكاء المر، بينما تسترسل في البوح بقصائد النعي وبإيماءات تشير الى رفع وتيرة الايقاع حتى يبلغ الحماس ذروته، وتضرب «الملايَّة» على وجهها بحركة سريعة لتثير حزن الحاضرات. 
وتستمر {نعاوي} الحزن حتى آخر فصل من فصول حكاية الشجن والنواح، لتختتم الجلسة بالدعاء وتطلب الحاضرات المُراد ببعض الدموع والبكاء لتتوزع بعدها أكياسٌ وضعت فيها بعض الحلوى أو الفاكهة من سفرة الزهراء (ع). لم يكن من السهل العثور على «ملايَّة» ترضى بالحديث لـ «الصباح»، فبعضهن يرفضن لأسباب شخصية والبعض الآخر يتذرعن بكثرة المجالس التي يحيينها في هذه الأيام، إلا أن المُلايًّة «أم أحمد»، حدثتنا عن بداياتها قائلة: «ورثت شغف وحب هذه المهنة عن عمتي المتوفية «ام عباس»، ففي سنوات النظام السابق، بدأت ارافقها في المجالس ايام عاشوراء غير مكترثة للمخاطر ايام النظام البعثي الدكتاتوري السابق».
 مبينة أن «موهبتي صقلتها عبر سنواتٍ طويلة، وحفظت القصائد التي ما زلت ابحث عن الجيدة منها باستمرار من الكتب القديمة، وامارس شغفي بقراءة قصص الانبياء والائمة، والكتب التراثية»، مواصلة «احيي مجالس عاشوراء وارفض حضور المآتم والعزاءات الخاصة»، مشددة على أن «الاقبال - وعلى غير العادة - بدا أقل مما كان عليه في السنتين الاخيرتين، ربما بسبب وباء كورونا»، مؤكدة ان «حبها للائمة الأطهار وحده من يدفعها لممارسة هذه المهنة». 
في المجالس تجد النساء سبباً للبُكاء ليفرغن ما في قلوبهّن، الحاجة «ام عماد» واحدة من اللواتي بكين بحرقة، وهذا ما دفعني لسؤالها ما اذا كانت هنالك أمور شخصية تبكي بسببها او تزيد من حزنها، لكنها اجابت «أبداً لم يخطر في بالي سوى غصة قلب ام البنين على اولادها، وهذا ما يعصر قلبي كل مرة».
 اما «ام احمد» فقد بينت «انا اختلف عنهن، ابكاني الحسين(ع)، لكن ولدي العاق الذي رحل مؤخراً مع زوجته واولاده كسرني، واشعل ناراً لن تبرد في صدري، وهذا ما يبكيني بحرقة». 
«أم سجاد» الأستاذة وخريجة كلية الهندسة، المحت «احيي هذا الطقس في كل سنة لأحظى بشفاعة أهل البيت، وخوفا من اندثار مراسم عاشوراء». 
وهكذا انتهى المجلس، خرجت والحزن يخيم على النفوس، والقلوب تخفق حباً بالحسين الشهيد عليه السلام.