فيلسوف اللحظة الضائعة

آراء 2021/08/22
...

 أمينة ساهي
في لقاء تلفزيوني سأل المذيع المعلم الروحي والفيلسوف أوشو أريد أن أعرف هل تغيرت جوهر تعاليمك من 1970 الى اليوم؟ 
ردّ عليه أوشو إذا لم تكن دقيقا في سؤالك فانا بالتالي لا أكون دقيقا أيضا في الاجابة.
ارتبك المذيع واعتذر، لكن أوشو أكمل حديثه.
— أن الحياة تتغير وطالما أنت حيّ، فأنت تتغير واذا لم تتغير فأنت ميّت.
سحرتني جلسته المهيبة ونظراته الثاقبة والهدوء الراسخ الذي ينمّ عن ثقة عالية بالنفس.
كلامه غاية في البساطة، لا تعقيد فيه لكنه غاية في الدقّة أيضا، ممّا يجعله مفهوما من دون كدّ ذهني كما هو الحال مع الكلام عادة في المواضيع الفلسفية التأملية. 
لم يلجأ أوشو الى التحدي في أقواله، وشرح تعاليمه وما يؤمن به، بل كانت لغته ذات قوة عالية فعّالة في التأثير والاقناع، قوة جاءت من سيل الطاقة المشبعة بالحب والمعاني العميقة وسبر غور الأعماق الروحية والباطنية، ومن رؤيته الفريدة الثورية لإنشاء مجتمع جديد.
أستاذ الفلسفة السابق في جامعة جابالبور الهندية والحاصل على الماجستير في العلوم النفسية شخص غير عادي قادر على السيطرة على الآخرين، علّم أتباعه التأمل واكتشاف أنفسهم والتخلص من الماديات والتركيز على عالم الروح وعلى عدم طرح الأسئلة الكثيرة، وأن يستسلموا للصمت المطلق الذي كان يطلق عليه اسم «تاو» أو «الحقيقة» وهكذا.. كان يحثّهم على الاسترخاء وعدم بذل أي جهد لتفسير ما حولهم، فعندما يستمعون الى الموسيقى لا داعي لفهمها عليهم أن يبتهجوا لسماعها وإذا ارادوا الرقص لا داعي لفهمه فقط عليهم أن يرقصوا.. لتبدو حياتهم أكثر تناغما مع محيط الوجود اللا محدود.
جذب إليه مئات الآلاف من التلاميذ من جميع أنحاء العالم، وكانوا في الغالب شبانًا ومتعلمين تعليماً عالياً ومستقلين مادياً. وصفتهم الصحافة بأنهم «من أكثر الناس ذكاءً من جميع أنحاء العالم». لقد كانوا أشخاصًا حققوا ما توقعه المجتمع منهم، لكنهم أصيبوا بخيبة أمل فصاروا يبحثون عن شيء أكبر.
آمن أوشو بعالم جديد ومستقبل من الحرية والحب «الذي هو عند أوشو عالم الثقة المطلقة والحرية اللامحدودة» والسلام والتصالح مع الذات والفرح. خلق هذا العالم الجديد يحتاج الى تغيير ومفاهيم جديدة وهذه تحتاج الى مغامرة وشجاعة والى حدوث ثورة ما لتأكيدها. فالتغيير يحدث أما عن طريق العلم أو عن طريق الدين.
لقد عاش الشرق بزوغ الاديان واهتمّ بجوهر الروح، الجوهر الأعمق للوجود وبالعالم الداخلي للانسان وبالفلسفة التجريدية.
أما الغرب فاهتم بالعلم بالملاحظة المنظمة للأحداث والظروف الطبيعية، من أجل اكتشاف الحقائق عنها ووضع 
قوانينها.
فبزغت كالشمس فكرة أوشو للانسانية الجديدة، وهذه الفكرة في رأي أوشو ستكون جسرا مابين الشرق والغرب، ما بين الدين والعلم، وهذا الجسر هو الفن، وكل ما يتعلق به كالشعر والموسيقى والرسم، وكل ماهو فن ليكون الانسان الجديد صوفيا وشاعرا وعالما، وبمجرد أن يأتي هذا الانسان الجديد الى حيز الوجود تكون الأرض هي الجنة.
لأن الانسان الجديد عند أوشو سيكون حسيّا وروحيا أو جسديا تماما مستمتعا بالجسد والحواس وبكل ما يجعله الجسد ممكنا.
أوشو لم يكن يخاف من السلطة أو من آراء الآخرين. لذلك كان يتحدث عن التعفن الذي يراه في المجتمع، ويوضح كيف يتلاعب الكهنة والسياسيون بالناس ليعيشوا في خوف وعبودية، وكان يشجع الناس على التشكيك في جميع معتقداتهم 
وأفكارهم. 
يقول أوشو: يتم انشاء الانسان من قبل المجتمع ومن قبل الكاهن والسياسي والمعلم. يأتي الطفل انسانا كاملا ثم يبدأ المجتمع في خنقه واخباره بما يجب وبما لا يجب فعله فيضيع كماله ويحس بالذنب بشأن كيانه كله وينكر الكثير مما هو طبيعي ويصبح عبدا مقيدا.
 غادر أوشو هذا العالم عام 1990 طبع له 600 كتاب غطت جميع أقواله وخطبه والتعاليم الصوفية على مر العصور، والمئات من تقنيات التأمل والعلاجات الخاصة لتخفيف الضغوط التي يواجهها الإنسان الحديث.