المأساة الطويلة من كابول الى بيروت

العراق 2021/08/23
...

ابراهيم العبادي
 
ينشغل الباحثون والخبراء في قراءة الحدث الافغاني الجديد من زواياه المتعددة، بينما تهيمن القراءات الاحتفالية على شطر من (الاسلاميين) معتبرين ماحصل في بلاد الافغان فتحا مبينا، بينما تبدو المشاهد المحزنة لاكتظاظ الناس في مطار كابل دليلا آخر على استمرار المأساة الانسانية بكل فصولها المرعبة، المأساة التي تترجم نفسها قرينة وشاهدا على ضياع مئة عام من عمر شعوبنا وبلداننا وهي تكابد محنة فشل الدولة، وفشل الساسة والقادة والاحزاب والشعوب والفكر السياسي المتداول.
سيسجل التاريخ المعاصر صور تساقط الناس من الطائرات المغادرة كأحدث ظاهرة على محاولة البشر البحث عن حياة افضل أو النجاة من كابوس عودة نظام سياسي ديني تخشاه الناس على حرياتها واختياراتها وفهمها للمواطنة السياسية.
الافغان الخائفون العازمون على الرحيل من بلادهم يكررون هجرة اجيالهم الذين تدفقوا على باكستان وايران عشية الاحتلال السوفييتي لافغانستان عام 1979 لحماية جناح بابراك كارمل الماركسي مقابل اسقاط جناح حفيظ الله امين الاقل موثوقية عند السوفييت. يومها عانى الملايين من الذل والجوع وخسارة التعليم و انعدام فرص العمل وتحسين شروط الحياة، وكان من جراء ذلك ان اصبح مئات الالاف جنودا مؤدلجين بيد حركات اسلامية متطرفة وساحة للفكر العنيف الذي وفر حاضنة لتنظيم القاعدة التي مالبثت ان  انتجت داعش واخواتها، ودخل العالم الاسلامي كله في مرحلة من اخطر مراحل تاريخه، وهي مرحلة تقويض الدول القائمة لصالح مشروع دولة الخلافة المتخيل.
ماذا ربحت افغانستان من هذه التقلبات والازمنة السياسية العنيفة، والتحولات الحادة في مسار حياة اجيالها؟ لقد دفعت هذه البلاد ثمن جنون الصراع الدولي ومخططات حروب النيابة وصراع المشاريع الايديولوجية، ولان البلاد منقسمة التكوين على عرقيات واقوام ومذاهب وطوائف، صار لكل عرقية واثنية جيشها واحزابها وفكرها السياسي وارتباطاتها الخارجية، وانتهى امر الدولة الى نموذجين، نموذج يرعاه الخارج ويدعمه بالسلاح والمال فاخفق في ضمان الحد الادنى من الامن والسلام الاهلي.
اما النموذج الاخر، فكان نظام المنتصرين بقوة السلاح وليس بقوة الاجماع والاجتماع والاقناع، فقد حكم المجاهدون المنتصرون على السوفييت سبعة اعوام قضوها في صراعات وحروب اهلية، الى ان جاءتهم طالبان باندفاع وخطط رسمها جنرالات الباكستان، ثم حكمت طالبان خمسة اعوام لتطيح بها طائرات الاميركان وقاذفاتهم الستراتيجية بعدما غدت افغانستان وكرا للشيطان بتعبير البيت الابيض.
مشهد الطوابير في مطار كابل يناظر مشهد الطوابير على محطات الوقود اللبنانية، ومثله مشهد مخيمات السوريين وامثاله، ضاعت الدولة بسبب صراعات ومطامع ملوك الطوائف وقادة الاحزاب ومخططات اللاعبين الصغار والكبار، فتحولت شعوبنا الى لاجئين ومهجرين في بلدانهم، وجائعين ومتسولين ينتظرون الصدقات والهبات من الخارج، أو غاضبين ساخطين يبحثون عن فرصة للانتقام ممن اوصلهم الى هذه النهايات البائسة، كم من الاعوام ينتظر الناس ليولد جيل عاقل من السياسيين والحكماء الذين يفكرون الف مرة قبل ان يطلقوا شعارا ويؤسسوا احزابا توهم الناس بالخلاص والعيش الرغيد بافكار لا تنتمي الى عالم اليوم؟