رسالة مفتوحة لمؤتمر الجوار الإقليمي (عراق المركز).. حاجة عراقيَّة إقليميَّة

آراء 2021/08/26
...

 حسين درويش العادلي
 
 1 - مؤتمركم المُؤمّل في العاصمة بغداد، أمام فرصة تاريخية إن أحسنتم قراءة التاريخ واستشراف المستقبل. فوسط هذا التعقيد الكوني لملفات المنطقة ومآلاتها المجهولة، تجتمعون على أرضنا.. جيد.. وأهلاً بكم وسهلاً كضيوف. لكن كمسؤولين هناك أسئلة تبحث عن إجابات إن أُريد لهذا المؤتمر أن يصنع تاريخاً مغايراً لأزمنة الكوارث، وهي: وفق أية رؤية للعراق تجتمعون؟ وهل على العراق أن يكون (طاولة) لقاء صمّاء، أو (ساحة) صراع وتفريغ شحنات.. ليس إلاّ؟ أم أنَّ هناك وعياً للعراق كبلد (مرتكز) يمكن أن يكون (مركز) توازن واستقرار للمنطقة بأسرها؟.
2 - العراق يا سيادة: مركز تقاطع أُممكم الثلاث: العربية، الإيرانية، التركية،.. تماسكه يعني تماسك أممكم ودولكم، تقسيمه سيُقسّمكم وسيعيد رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة برمتها، بقاؤه ضعيفاً سيجركم للفوضى، إنحيازه لأحد محاوركم سيُعجّل من صِدامكم المباشر، استمراره كدولة قلقة غير ممكن.. والدولة الأفضل لكم عراقياً هي (عراق المركز)،.. هذا ما تعلمناه من التاريخ، وهذا ما نستشرف استقرار المنطقة من خلاله.
 
العراق.. الموقع والحال
1 - العراق البلد (المرتكَز) في المنطقة بسبب موقعه (الرابط) بين تلك الأمم الثلاث. فهو الدولة الوحيدة في المنطقة (الرابطة) مجتمعياً ودينياً ومذهبياً وإثنياً بين إيران وتركيا والبلاد العربية، رابطة التقاء وتداخل وتشابك جغرافي تاريخي مصالحي، ومآل العراق سيؤثر بشكل مباشر في خريطة تماسك أو تداعي الجغرافيا المجتمعية والسياسية والأمنية والسيادية لهذه الأمم الثلاث. هنا تكمن أهمية العراق تماسكاً أو انهياراً، وهو ما يجب إدراكه وتوظيفه بإدارة السياسة الإقليمية والدولية الدائرة على أرض العراق.
2 - الدولة العراقية حالياً تعيش الإنقسام أفقياً وعامودياً، مع مركز حكم ضعيف يسعى للملمة الدولة والأمّة وقواهما لتجاوز (نقطة الانهيار).
3 - بسبب وضعه الضعيف والقلق، شكّل العراق منخفضاً جيوستراتيجياً بين ستراتيجيات الأمم الثلاث (العربية الإيرانية التركية)، لذا فهو محط صراعاتها الفعلية. وبسبب تداخل الملفات الإقليمية/ الدولية فإن العراق سياسياً/ اقتصادياً/ أمنياً مورد صراع المحاور الدولية وستراتيجياتها المعنية بالمنطقة. 
4 - الستراتيجيات الإقليمية والدولية (متماهية) مع الداخل العراقي وليست (مؤثرة) فقط، بسبب تداخل الجغرافيا المجتمعية والسياسية والأمنية، وبسبب الاشتراك بخارطة الثروات وبتقاطع ممر مصالح القارات على أرضه. والعراق اليوم محط صراع هذه الستراتيجيات، وهي الفاعل الرئيس بإدارة الصراع من موقع التماهي وليس التأثير.
 
عوامل أزمة العراق الراهنة
1 - التركة الكارثية للنظام الصدامي السابق على مختلف الصعد، والتي حطمت جميع البنى اللازمة لإجراء التحولات النوعية لأنساق المجتمع والدولة، وصعّبت جميع محاولات النهوض بالتغيير.
2 - ضعف العملية السياسية الحالية بانتاج دولة متماسكة وناجحة ومُقعنة لأمتها الوطنية، بسبب فشل نخب التأسيس وتعارض الرؤى واختلاف السياسات وتضارب الأجندات داخل العملية السياسية ذاتها. ونموذج الدولة الذي أنتجته العملية السياسية حالياً هو (خليط) من النموذج اللبناني/ اليوغسلافي/ الصومالي.
3 - الفعل النوعي المضاد لمعظم دول المنطقة لاحتواء التغيير في العراق 2003م ومحاولات اجهاضه أو احتوائه من خلال: المقاطعة السياسية، الإرهاب المنظم، الإعلام المضاد، التدخل السلبي، وجعله ساحة صراع.
4 - صراع ستراتيجيات الاحتواء والتوجيه والتوظيف (الإقليمية والدولية) والذي أنتج استقطاباً وصراعاً حاداً على نموذج الدولة العراقية المراد انتاجها بعد 2003م بين هذه الستراتيجيات.
 
النماذج الثلاثة للدولة العراقية
 هناك ثلاثة نماذج مفترضة للدولة العراقية كناتج عن الصراعات الحالية، هي: (الدولة القلقة، دولة الانحياز، ودولة التوازن)، مع استبعاد لنموذج (التقسيم) المُحرّم إقليمياً دولياً وفق الاشتراطات الجيوسياسية الحالية.
 النماذج هي:
1 - نموذج الدولة القلقة: وهو نموذج الدولة العراقية الحالية بعد التغيير 2003م، وأعني به نموذج ضعف الدولة وفشل انتظام سياقاتها ومؤسساتها ووحدتها المعيارية، نموذج التعايش الهش، نموذج انقسام (الأمة/ الدولة) على نفسها، نموذج الفساد والفشل الاقتصادي، نموذج التداخل والتدخل والاستلاب الإقليمي والدولي، نموذج التدويل الدائم النافي للسيادة، نموذج تفريغ شحنات التصادم لستراتيجيات المنطقة المتصارعة، نموذج تمرير الأجندات الدولية لخلق أوضاع كونية جديدة، نموذج امتصاص الأزمات وتصفية الحسابات..الخ. 
ولا يمكن لهذا النموذج الصمود كثيراً بسبب موقع العراق الجيوسياسي، وبسبب شدة تعارض الستراتيجيات واستقطابات أجنداتها السياسية والمصالحية. 
2 - نموذج دولة الانحياز: وهو نموذج وقوع الدولة العراقية في المجال الحيوي لإحدى الستراتيجيات، كأن تكون (منحازة عربياً) لتكون (بوابة شرقية) جديدة ضد المحور الإيراني، أو تكون (منحازة ايرانياً) لتكون موقعاً ايرانياً متقدماً ضد المحور العربي، أو تكون (منحازة أميركياً) لتكون محطة متقدمة للسياسة الأميركية في المنطقة..الخ. إن إعادة إنتاج نموذج الإنحياز تعد انتحارياً للعراق والمنطقة بسبب المتغيرات الكبرى التي شهدتها المنطقة. 
3 - نموذج دولة التوازن: وهو نموذج (عراق المركز) لا عراق الأطراف أو التابع أو الضعيف، بما يؤهل العراق ليكون قوة سترتيجية حقيقية متوازنة وموازنة لدول الأمم الثلاث ولستراتيجياتها ومصالحها، فيحول دون تصادمها الوجودي، ويخلق استقراراً حقيقياً بالمنطقة. إنّ عراق المركز يعني: (دولة عراقية قوية ذاتياً سياسياً واقتصادياً وأمنياً وسيادياً)، قادرة (بمقوماتها) على حفظ التوازن الإيجابي بين ستراتيجيات المنطقة. وهو النموذج الأفضل للعراق والمنطقة، فبقاء العراق ضعيفاً سيقود لا محالة الى تصادم وجودي بين الستراتيجيات الكبرى، أو بتشتته فسيؤدي لا محالة إلى إعادة رسم للخارطة السياسية الإقليمية لأغلب دول المنطقة، فضلاً على أنَّ العراق بطبيعته وموقعه الحاسم لن يصمد أن يبقى قلقاً أو ضعيفاً.
 
عراق المركز حاجة عراقية إقليمية
 لا يمكن تحقيق الاستقرار الستراتيجي في المنطقة دونما عراق مستقر، واستقراره يعني وحدته وقوته الذاتية، ووحدته وقوته مرتبطة بنموذج دولته، وأثبت التاريخ فشل جميع نماذج الدولة العراقية في تحقيق وحدتها الداخلية وتوازنها الإقليمي 
الدولي. 
إنّ عراق متوازن وموازن رهن اعتماد نموذج (عراق المركز)، وعراق المركز حاجة عراقية إقليمية، وعلى دول المنطقة أن تعي ذلك، بسبب:
1 - العراق يمثل (المركز البُنيوي) الستراتيجي سياسياً واقتصاديا ومجتمعياً وأمنياً للأمم الثلاث، فانهياره أو وحدته، قوته أو ضعفه، إنحيازه أو حياديته، سيحدد مصير هذه الأمم، فالعراق مركز التقاطع الشامل بين هذه الأمم 
الثلاث. 
2 - العراق يمثل (نقطة توازن أو انهيار) الأمم الثلاث ودولها، وأي إضعاف أو تقسيم له سيجر هذه الأمم الى صراعات كبرى، وسنشهد جغرافيا سياسة جديدة لا تستطيع شعوب المنطقة والعالم التعامل مع استحقاقاتها. وأي استقرار بالمنطقة يستوجب خلق عراق المركز الموازن لمصالح الستراتيجيات الثلاث، والحائل دون تصادمها المميت.
3 - العراق الحديث مُصاب بضعف بنيوي قاتل، سببه فشل نموذج الدولة العراقية الحديثة - منذ تأسيسها- بالإدارة الوطنية والحكم العادل والتوازن الستراتيجي الفعّال، الأمر الذي قاده إلى التصدع الوطني والاستلاب الخارجي، وهذه مشكلة عراقية إقليمية يجب معالجتها لتحقيق مصالح واستقرار المنطقة برمتها من خلال اعتماد نموذج (عراق المركز)، الذي يُعد حاجة عراقية وإقليمية معاً.
4 - عراق المركز (كحاجة عراقية) لن يقوم إلاّ بإصلاحات جوهرية ببنية النظام السياسي نفسه ليكون قادراً على بناء وإدارة الدولة. ومع الحفاظ على تجربته الديمقراطية ومؤسساته الدستورية فالعراق اليوم يحتاج الى (نواة صلبة) للحكم تضبط إيقاع الدولة وفعلها وواجباتها وسيادتها وأدوارها الخارجية، وعلى أساس من فلسفة ووظائف الدولة المدنية الوطنية الضامنة للعدالة، والحكم الفعّال، والمُعبّرة عن مصالح جميع العراقيين بمختلف أديانهم وطوائفهم وإثناياتهم.
5 - عراق المركز (كحاجة إقليمية) يتطلب من دول الأمم السيادية الثلاث، دعما حقيقيا لنموذج (عراق المركز) بعيداً عن سياسة الاستقطاب والمحاور والتدخل السلبي، بما في ذلك تحييد العراق بصراع الجبهات الجيوسياسية، وعدم عدّه (برلين) المنطقة في رسم مناطق النفوذ، وفك ارتباطه بملفات المنطقة 
المعقدة.
6 - المطلوب: وعي ستراتيجي لأهمية العراق لأُممكم سلباً أو إيجاباً، وترجمته بمساعدة العراق وفق خريطة طريق واضحة، والتزامات محددة، لحماية ورعاية نموذج (عراق المركز) من التدمير الذاتي أو الافتراس الخارجي، وهي مهمة وحاجة عراقية إقليمية دولية، دونها الطوفان.