مؤتمر بغداد ومئوية الدولة العراقية الثانية

العراق 2021/08/30
...

ابراهيم العبادي
 
أيّا كانت النتائج التي خرج بها مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، وأيّا تكن التقييمات لقيمة المؤتمر السياسية والاقتصادية، لكن جمع هذا العدد من جيران العراق ودول عربية الى جانب فرنسا ليناقشوا قضايا التعاون والاستقرار والامن في المنطقة، وفي الاسبوع الاول بعد العام المئة من عمر العراق الحديث، يحسب للدبلوماسية العراقية ولجهود العراق الساعية الى تحييد ساحته عن الصدامات والصراعات المحتدمة اقليميا وستراتيجيا.إن ضمان الامن والسلام الداخلي العراقي والاستجابة لتوقعات ومتطلبات السكان تحديات رهينة، بنضج القوى السياسية العراقية وتكامل الوعي الوطني، والتعلم من دروس الماضي الحديث والمعاصر، وادارة ناجحة لعلاقات العراق الاقليمية والدولية، لقد كانت مشكلة العراق الكبرى في صراع الآخرين عليه ونجاحهم في استقطاب الاتجاهات السياسية الداخلية، بما قادها ويقودها الى التناحر الفكري والسياسي على خلفية حمولات ايديولوجية ورؤى ستراتيجية عربية -تركية -ايرانية -غربية، جميعها تريد للعراق أن يكون ضمن مساحة نفوذها واداة من ادواتها في لعبة الصراع والتوافق .لقد حتمت الجغرافيا والديموغرافيا على العراق أن يكون دولة محورية في استقرار هذه  المنطقة أو اضطرابها، فهو العقد الفريد الذي تتنافس على اقتنائه الامبراطوريات العظمى والدول الاقليمية الكبرى، وتخشى منه الدول الصغرى، فقوة العراق مخيفة لجميع جيرانه، مثلما ان ضعفه واضطرابه يعصف بتوازنات المنطقة ويجعله ساحة تنازع وتنافس مرير، هكذا صارت (حتمية) التاريخ والموقع عنصرا من عناصر التخطيط للسلوك السياسي المفيد والناجح، والعراق عصي على أن يكون موقعا مستلحقا بالغرب بزعامة اميركا او بريطانيا او فرنسا .يوم فشلت أنظمة العراق السياسية ونخبه في تقدير مزايا ومخاطر موقع العراق، وتاريخه وتركيبته السكانية ودوره المفترض، صار العراق ميدانا لتقاطع الرؤى والولاءات والاهواء والميول، وانقسم المجتمع الى جماعات وكتل سكانية مستقطبة الى الخارج  .
اليوم حيث يدشن العراق مئويته الثانية معلقا بآمال ان يتفهم الآخرون دوره ومحنته، يأتي مؤتمر بغداد ليكون مناسبة رمزية (مؤتمر القاهرة عام 1920 دشن مئوية العراق الحديث الاولى بتأسيس السلطة والنظام الملكي) وخطوة عملية نحو رؤية جديدة ،تقوم على استبدال الفكر القديم بفكر جديد، فكر الاستثمار بالسلام والامن والتعاون الاقتصادي والشراكة متعددة الاطراف، ليعود العراق -كما يرجو عقلاؤه-جامعا للدوائر المتقاطعة المتنافرة، أو على الاقل احترام فرادته، لكي يتجنب صيرورته ساحة تنافس شديد ارتدت عليه عنفا وانقساما وتقهقرا تنمويا.
العراق الذي ينزف منذ عشرات السنين يحتاج الى من يقدر خطورة دورانه في حلقة الاضطراب والضعف، ويمد له يد الشراكة والتعاون لتقوى دولته وتغدو دولة (مركزية) كما يسميها صديقنا الباحث حسين درويش العادلي في رسالته الى الذين اجتمعوا ببغداد. مركزية العراق وسيادته وهوية امته الوطنية ونهوضه الاقتصادي، هي شرط الاستقرار والامن في المنطقة وحجر الزاوية للأمن الاقليمي المفقود، لا وقت كبيرا يمكن تضييعه في التجريب والمقاربات الخاطئة، فالمتغيرات عاصفة والتحديات أكبر من ان تواجهها مشاريع المحاور المتصارعة الراهنة.إن درس عودة طالبان الى الحكم في افغانستان وانسحاب الاميركان،  يذكران بهزيمة العرب عام 1967 وانسحاب بريطانيا العسكري من شرق السويس، فقد حلت أميركا محل بريطانيا كقوة مهيمنة واصبح شاه ايران شرطي المنطقة حتى نهاية عام 1978، المنطقة مفتوحة على مخاطر جسيمة دونما ترتيبات امنية وشراكات اقتصادية وتفاهمات سياسية، العراق يريد أن يستأنف دور الفاعل الإقليمي من وحي تقديراته لخطورة المرحلة الراهنة على وجوده ووجود جيرانه ومستقبل هذا الجزء الحيوي من العالم، وممارسة دور الفاعل خارجياً تحتاج الى اتفاق الإرادة الداخلية، وهي الشرط المفقود حتى اللحظة .