مشروع قانون العقوبات الجديد وضرورات التشريع

آراء 2021/09/05
...

 كاظم عبد جاسم الزيدي 
العقوبة قديمة قدم المجتمع الانساني وهي من الاجراءات الاساسية، لمكافحة الجريمة والحد منها، وتضمن الدولة وسلطاتها الاستقرار داخل المجتمع، من خلال الجزاء الجنائي وعن طريق السياسة الجنائية، التي تتباها هذه السلطات في زمان معين ومكان معين، وانطلاقا من فكرة ضرورة استخدام الجزاء لضمان الاستقرار في المجتمع، قد تفرط وتتعسف الدولة في استخدام الجزاء تبعا لاتساع الظاهرة الاجرامية والخطورة الاجرامية، التي تطورت وتعقدت تبعا للتطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي. ولقد تيقن علم العقاب الحديث ان العقوبة لم تعد تفي بالغرض الذي وجدت من اجله، والذي هو منع التقليد الاجرامي والعودة اليه. لقد كان الهدف من العقوبات منذ ظهورها هو ارضاء الشعور العام بالعدالة لدى افراد المجتمع، حتى لا تتزعزع ثقتهم النظام العقابي ويصبح لجوؤهم الى القضاء اكثر من لجوئهم الى الانتقام، وكذلك كانت العقوبة تهدف الى جعل المحكوم عليه عبرة لغيره، حتى لا يفكروا في ارتكاب جرائم مماثلة.
 وعند تشريع أي قانون يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلد، وقانون العقوبات العراقي النافذ حاليا رقم 111 لسنة 1969 المعدل صدر منذ فترة طويلة، حيث صدر بتاريخ 19/ 7/ 1969 ونشر في الجريدة الرسمية في 15/ 9/ 1969 وبدا نفاذه بتاريخ 16/ 12/ 1969 أي بعد مرور ثلاثة اشهر من تاريخ نشره، الا ان القانون جرى عليه الكثير من التعديلات وذلك بصدور 26 قانون لتعديله و122 قرار لمجلس قيادة الثورة المنحل واستحدث 44 جريمة، اغلبها لا تستند الى معيار سليم للتجريم منها 14 جريمة معاقب عليها بالإعدام، اضافة الى تشديد صارم لعقوبات 49 جريمة ويبلغ عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في قانون العقوبات 70 جريمة، كذلك استحدثت عقوبات بشعة لبعض الجرائم وهي قطع اليد من الرسغ وقطع الرجل من مفصل القدم وقطع صوان الاذن المصحوب كل منها بوشم في الجبين، وقد تم تعليق تطبيق القرارات الخاصة بالقطع بعد تنفيذها لفترة من الزمن وبعد عام 2003 اصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة في العراق عددا من الاوامر منها الامر رقم «7» لسنة 2003، والذي نص على تطبيق الطبعة الثالثة من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 الصادر عام 1985عن وزارة العدل وتعليق احكام المادتين 200 و225 وعدم جواز اقامة دعاوى ضد مرتكبي الجرائم المنصوص عليها في المواد 156 - 189 و190 - 195و201 - 219 و223 - 224 و226 و 228و229، الا بأذن خطي من المدير الاداري لسلطة التحالف المؤقتة وتعليق عقوبة الاعدام في كل حالة تكون فيها عقوبة الاعدام هي العقوبة الوحيدة المنصوص عليها، لمعاقبة مرتكب جناية يجوز للمحكمة ان تستعيض عنها بمعاقبة المتهم بالسجن مدى الحياة او بفرض عقوبة اخرى اقل منها، وفقا لما ينص عليه قانون العقوبات.
 وبعد تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة اصدر مجلس الوزراء بموافقة مجلس الرئاسة الامر رقم «3» المتضمن اعادة العمل ببعض الجرائم ومنها الماسة بأمن الدولة الداخلي والجرائم ذات الخطر العام وجرائم القتل العمد المنصوص عليها في المادة «406» من قانون العقوبات. وان الواقع والتقدم في مجالات الحياة المختلفة افرز الكثير من الجرائم المستحدثة، وفي مقدمتها جرائم الحاسب الآلي وجرائم الانترنت وقد سارعت الدول الى وضع قوانين خاصة بهذه الجرائم، في حين ما زال قانون العقوبات العراقي النافذ يفتقر الى ذلك، وكذلك وجدت جرائم جديدة مثل جرائم غسل الاموال، ومن خلال التطبيقات القضائية فان الضرورة تتطلب تشريع قانون جديد للعقوبات، لا سيما ان قانون العقوبات النافذ، تم تشريعه منذ فترة طويلة ولم تعد نصوصه تتلاءم مع التطورات في المجتمع العراقي والجرائم المستحدثة. وان مشروع القانون الجديد يتضمن «505» مواد قانونية واهم ما يتضمنه هو المعالجة الحقيقية لجرائم الفساد الاداري والمالي، ووضعها في فصل خاص بها، وتشديد العقوبة على هذه الجرائم، وضمان استرداد الاموال المنهوبة والمسروقة، ومعالجة الجرائم الالكترونية في القانون الجديد، وفي مقدمتها جرائم الابتزاز الالكتروني والاخذ بنظام العقوبات البديلة عن السجن، خصوصا في الجرائم البسيطة كالمخالفات والجنح البسيطة قصيرة المدة، لتحقيق الغاية من العقوبة في اصلاح المحكوم، نظرا للآثار السلبية للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، ومن بينها تأثر المحكوم عليه بمحيطه من السجن واستنزاف ميزانية الدولة التي تصرف على السجناء ذوي الاحكام البسيطة وعقوبة العمل للنفع العام وعقوبة الغرامة، بعدّها من العقوبات المالية، واستبدال عقوبة الحبس بالغرامة وهي تمثل إيردا لخزينة الدولة وتوسيع نطاق عقوبة الغرامة واستبدالها عند تعذر تحصيلها بعقوبة عمل تقويمي بدل العقوبة السالبة للحرية. كما ان مشروع قانون العقوبات الجديد عمل على التضييق من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام وحصر تطبيق هذه العقوبة في أضيق نطاق واقتصارها على الجرائم ذات الخطورة البالغة، والتأكيد على تجريم الافعال المخلة بمصالح عامة او فردية، تعدّها كل المجتمعات وفي كل الأزمان مصالح اجتماعية جديرة بالحماية الجزائية، وهي جرائم تقليدية كالقتل والسرقة والعمل على حماية الحريات الشخصية عند تشريع القانون الجديد، بما يؤمن حسن تطبيق القانون.