ثقافة الانتخاب

العراق 2021/09/08
...

علي حسن الفواز

للثقافة علاقة وطيدة بالديمقراطية، إذ إنّ ممارستها تكشف عن أهمية هذه العلاقة، على مستوى وعي الحرية، وعلى مستوى الالتزام بالقيم الاخلاقية والسلوكية والحقوقية للديمقراطية، ولإنعكاس ذلك على حياة الناس في اجتماعهم السياسي والاقتصادي، فالحاجة الى الديمقراطية هي الحاجة الى السلم، والى الامان والتعايش، والقبول بالتنوع المجتمعي، فضلا عن كونها حاجة تُجسّد مظاهر الاحترام لإرادة الفرد والمجتمع ووعيه إزاء ممارسته للحق الديمقراطي.
ثقافة الانتخاب هي المظهر الأكثر وضوحا لوعي الديمقراطية، إذ يكون الاختيار مسؤولية، والثقة بالتغيير ايمانا بالفعل الديمقراطي، وهذا ما يجعل يوم التصويت الانتخابي مناسبة حقيقية للتعبير عن الثقة بالديمقراطية، ودورها في إحداث التغيير المطلوب، وفي أن يكون اختيار المرشح المناسب دليلا على قوة الارادة، وأن يرتبط الحق الانتخابي بالواجب، وبمسؤولية المواطن المشاركة الواسعة والفاعلة فيها، وعلى أن يجعل ممارسة الانتخاب رهانا ثقافيا على مواجهة تحديات سياسية واقتصادية، وعلى القبول ببرنامج انتخابي الهدف منه التغيير، وعلى ايجاد فضاء سياسي وتشريعي يملك اهلية العمل على الحدّ من مظاهر الفساد والعجز والضعف، وفي خلق حراك سياسي ينسجم مع طموح الجمهور المشارك في الانتخابات.
علاقة الثقافة بالانتخاب تبدأ من عنصر الثقة، ومن الايمان بحق الممارسة الديمقراطية، و السعي الى تكرسيها كعنوان كبير لتحقيق العدالة، والسلم المجتمعي، ولتأطير النظام السياسي بالمقبولية، وبحُسن العمل والادارة، وبتحقيق طموحات الناس الذين وثقوا بالبرنامج الانتخابي لهذا المرشح اوذاك، أو لهذه الكتلة السياسية اوتلك.
من هنا فإن المشاركة الواسعة في الانتخابات، وجعلها خيارا وطنيا وثقافيا تضع الجميع امام رهانات حقيقية للمستقبل، ولأنّ مجتمعنا عاش سنين طويلة تحت مهيمنات المركزية السياسية والايديولوجية، فإن التعرّف على اساسيات العمل الديمقراطي، وتعلّم اسسه وممارساته يعني صياغة عقد اجتماعي وسياسي جديد، يتأطر بالحرية، وبالعدالة، وبحق المواطن في اختيار من يمثله في النظام الديمقراطي، وهذه مسؤولية كبيرة تستدعي وعياً، والتزاما، وارادة حرة، مثلما تستلزم ثقافة عملية في ممارسة الحق الانتخابي، بدءا من اكمال مستلزمات الانتخاب ومعرفة آلياته، وانتهاء بالتصويت عند صناديق الاقتراع بعيدا عن الاكراه والضغط، لأن جوهر الديمقراطية هو الحرية، وأن الحرية هي جوهر الارادة التي نتوق جميعا لجعلها ارادة مجتمع جديد يثق بالديمقراطية ويجعلها مسارا لحياة افضل ولمستقبل يسوده السلام والأمان.