حدث قبل عقدين

آراء 2021/09/12
...

 رزاق عداي
في غمرة احداث 11 ايلول 2001 في ابراج التجارة العالمية في مدينة نيويورك، كتب الفيلسوف الفرنسي -جان بودريارد - مقالا بعنوان « ذهنية الارهاب » في جريدة -لوموند - الفرنسية طرح فيه مقاربة غير مسبوقة للفعل الارهابي وما يترتب عليه من ردود، على اثر حدث 11 ايلول، الذي وصفه بأنه - أم الحوادث - الحدث المحض، الذي يَجمع في صلبه كل الحوادث التي لم تحدث قط، في اثر هذا الحدث اهتز رهان التاريخ، لابل اهتزت شروط التحليل، الذي أثار الغرب أنه أصبح أزاء مواجهة من نوع جديد، وبطاقة غير متناهية، وبخيارات حدية تتراوح ما بين الحياة والموت.الحدث الاساسي هو أن الارهابيين قد كفوا عن الانتحار سدى، وهو انهم براهنون بموتهم الخاص على نحوٍ هجومي وفاعل، على وفق حدس استراتيجي بهشاشة الخصم الهائلة، وهشاشة السستم بلغ شبه كماله، وهو بذلك معرض للاذى من أي شرارة، لقد جعلوا من موتهم سلاحا مطلقا ضد نظام حصيلته عدم، وكل وسائل الردع والدمار لن تكون مجدية ضد عدو جعل موته سلاحا هجوميا مضادا.
لسان حال الارهابيين يقول «ما همنا من القصف الامريكي ان رجالنا يتوقون الى الموت بقدر ما يتوق الاميركيون الى الحياة»، ومن هنا معادلة اّلاف القتلى في حادثة 11 ايلول -نيويورك دفعة واحدة، هكذا اذن كل شيء منوط بالموت، وليس فقط انبثاق موت اكثر من واقعي بكثير، موت رمزي وشعائري - اي الحدث المطلق الذي لا راد له، تلك هي ذهنية الارهاب.
هناك في الغرب راي يعتقد ومنهم الفيلسوف -جان بودريارد - ومثله يورغن هابرماز،وجومسكي ايضاَ، انها «اي القوة العظمى الاميركية» نظراَ لقوتها التي لا تحتمل، هي التي أججت كل هذا العنف المبثوث في ارجاء العالم كله، وهي، تاليا التي أثارت هذه المخلية الارهابية، فهو يعني بدارج الكلام ان الاميركيين ليسوا فقط مسؤولين عن الارهاب الذي يصيبهم، بل عن ذلك التواطؤ مع الارهاب والمضمر عند الاخرين، لقد كان الارهاب الانتحاري ارهاب فقراء، اما هذا فهو ارهاب اثرياء، وهذا ما يخيف بنحو خاص، انهم «الارهابيون» يمتلكون كل الوسائل ولم يتخلوا عن رغبتهم عن هلاك الآخر طبعا، ان الارهابي يخادع: ليس اصول اللعبة ان يكون الموت رهان اللعبة، غير انه لا يبالي والقواعد الجديدة 
بيده.
 وهكذا اصبح كل شيء مسلم به ودشن العالم حقبة محاربة الارهاب في وقت خيمت موضوعة الارهاب كمهيمنة، واصبحت مفهوما وخطابا شاملا ومتضخما، وبالمقابل، كان المتخذ الاجرائي له يجري على قدم وساق، اذ برزت ما تسمى بالضربات الاستباقية التي لا تأبه لضوابط الامم المتحدة، كمقدمة لما يسمى بحملات مكافحة الارهاب والتي شملت أفغانستان ثم العراق. 
اليوم ونحن نتابع انعطافا حادا في المشهد فهل ستكون عودة طالبان وانتصارها الاخير، ودخولها المبهر للعاصمة الافغانية «كابل» ملهما للحركات الارهابية والمتطرفة وبحصول حدث اخر يكون مشابها لما جرى قبل عقدين من الزمان في ابراج التجارة العالمية، لا سيما ان طالبان هي نفسها من اتهمت بإيواء الارهاب، متمثلا في منظمة القاعدة وقادتها الذين كانوا مسؤولين عن احداث أيلول 2001.
تقدمت طالبان بالامس القريب وبزمن قياسي ومذهل وبخطى واثقة في عموم افغانستان رمز الارهاب، ودخلت العاصمة بكل جدارة، بعد أن غادرتها مهزومة قبل عشرين عاما، عادت وكأن شيئا لم يحصل الى ذات النقطة التي انسحبت منها في دائرة زمانية تشبه فكرة العود الابدي ربما بسيناريو جديد من العنف والارهاب، وبمشهد ملحمي وعلى مرأى من قوة اميركا او ربما بالتنسيق معها.