النجف في قلب الحدث

آراء 2021/09/12
...

 جواد علي كسار
 
هكذا كانت قبل مئة عام من تأريخ بلدنا الحديث ولا تزال، فمنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921م، بل وقبل ذلك أيضاً والنجف الأشرف في قلب الحدث.
النجف الأشرف كرمزية دينية ودالة مرجعية وتأريخ متراكم، كان لها حضورها في تقرير مصائر البلد إلى جوار بغداد كمرجعية للقرار السياسي، حتى قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة، كما كان شأنها في ذلك إبّان أواخر العهد العثماني في العراق، وخلال الحركة الدستورية، وتحوّلات الحرب العالمية الأولى، وما تمخّض عن ذلك من دخول القوّات البريطانية الغازية إلى العراق، وثورة النجف ومن بعدها ثورة العشرين، بلوغاً لمرحلة الحكم الوطني والملابسات الأولى للعهد الملكي، ودستور 1925م وما تلا ذلك من حوادث.
ظلت النجف الأشرف تمارس دورها الثابت الذي تمارسه في المجال الوطني، بأشكال متغيّرة تختلف بين مرحلة وأخرى، وبين مرجع وآخر. وبدوره لم يسع النظام السياسي ببغداد مهما كان شكله، منذ بداية العهد الملكي حتى سقوط جمهورية البعث عام 2003م، إلا أن ينظر إلى النجف الأشرف، يتفاعل مرّة إيجابياً مع رمزيتها ومؤسساتها المرجعية، أو ينظر لدورها مرةً أخرى بعين السلبية والشك والريبة، كما حصل مع أغلب مرحلة حكم البعث، ولكن من دون أن يستطيع بقمعه وتدخلاته السافرة، تجاوز حضورها أو إلغاء دورها، ما يدلّ على تأريخية هذا الوجود وارتكازه الوجداني والموضوعي، وأنه من البُنى التأسيسية المكوّنة للعراق والعراقيين، وحياة الناس وممارساتهم في الدين والسياسة.
النجف الأشرف في هذه الرؤية ليست تعبيراً عن هوية الأكثرية الشيعية في العراق وحسب، بل مثلها كمثل دجلة والفرات، تغدق عطاياها على الجميع دون تمييز، حتى مع من يعقّها ويشتمها. النجف الأشرف في الرمزية المعنوية والروحية والدور الديني، هي ثروة وطنية تعمّ بعطاياها ومن دون تمييز أهل البلد بأجمعهم، شمالاً وجنوباً، وعرباً وأكراداً وتركمانا، تماماً مثل النفط كثروة وطنية لأهل العراق جميعاً.
أجل، كلما كانت العلاقة إيجابية بينها وبين المرجعية السياسية في بغداد، جاء عطاؤها موفوراً وكبيراً، والعكس بالعكس.
كان من المؤمّل صبّ دور النجف الأشرف بعد التغيير، في نطاق علاقة تقنينية منظمة، وهذا ما اقترب منه دستور 2005م وقارب شيئاً منه في «الديباجة» وإشارات من «المبادئ العامة» بيدَ أنه لم يبلغ 
الطموح.
والنجف الأشرف بعد ذلك عطاء ودور لا يقتصر على العراق وحده، بل تمتدّ آثارها العميقة إلى الإقليم والعالم، كما شهدنا شيئاً من زيارة البابا ولقائه السيد السيستاني شهر آذار الماضي، وكما لمسناه هذه الأيام على نحوٍ محسوس وجلي، في الرحيل المحزن للمرجع السيد محمد سعيد
 الحكيم.