نقد المهرجانات

ثقافة 2021/09/12
...

  أ.د. باسم الاعسم
 
تسود في أثناء انعقاد المهرجانات، أو المؤتمرات، والندوات المسرحية، العلاقات الاجتماعية الحميمة بين المخرجين والمؤلفين، والنقاد، والممثلين، وسواهم، بفعل المشتركات الأدبية والفنية، والاختصاصات المتشابهة، أو المتقاربة بينهم، لكنها لا تخلو من بعض الحساسيات والصراعات الشخصية المبطنة، أو الظاهرة، وربما بعض الضغائن والأحقاد، كما كشفت عنها وسائل الاتصال الاجتماعي، وياللأسف.
وعلى وفق المعطيات الواقعية، وبقدر تعلق الأمر بالنقد المسرحي، أقول: إن وثاقة العلاقات الاجتماعية، قد تنعكس سلباً على الممارسة النقدية، التي يراد لها أن تترفع عن العلاقات العاطفية، وعن كل ما هو شخصاني، لأنها تتصل بالفكر والمعرفة، والنقد، ذلك الحقل الثقافي المتسامي، فعندما يكلف بعض المعلقين بنقد عرض مسرحي ما، فقد ترجح كفة العلاقة الشخصية على حساب كفة النقد، وهذه إشكالية ينبغي تفاديها، لأنها تضر بالممارسة النقدية، إذ إن المكلف بالتعقيب على عرض مسرحي واهن، تتخله الأخطاء الإخراجية والأسلوبية والأدائية، وربما لا يستحق أن يعرض، أو أن يشارك في المهرجان، نجده لا يقوى على التعقيب بجدة وموضوعية وجرأة، لأننا لم نعتد على سماع الرأي النقدي الصريح والبناء أولاً، ولأن العلاقة الاجتماعية، هي التي تتحكم بمستوى النقد، فتجد أن المعقب، يلف ويدور، وينتقي الكلمات ليبرر الهفوات، أو لأنه لا يمتلك القدرة على إطلاق الأحكام النقدية الجريئة، في مقاربة النص ونص العرض، إذا ما أدركنا أن النقد -بأنواعه كافة- يفترض الصراحة في الأسلوب، والدقة في التحليل، والموضوعية في الأحكام، والشفافية في التفسير والتأويل، مما يستوجب كتابة نقد مسرحي يكون بمثابة نص ابداعي، يضاهي العرض المسرحي نفسه إن لم يتفوق عليه.
لذلك، فإن النقد الرصين، والمختلف، يضفي قدراً من الهيبة على المهرجان، ويلقن الضعاف، أو الموهومين، دروساً بليغة في كيفية مقاربة النصوص والعروض والنقود في الآن نفسه، عقب التحليل العلمي والمنطقي المعزز بالقراءة التفكيكية لأنساق خطاب العرض المسرحي، مما يؤكد أن النقد حرث علمي، ومسؤولية ثقافية وأخلاقية وتربوية، وليست ممارسة كتابية مزاجية تشبع غرور اللاهثين وراء المدح والتصفيق، واللقطات الصورية، والشهادات الكارتونية وما شابه ذلك.
إن الناقد الكفء، هو الذي ينتزع إعجاب الجميع، عبر أطروحاته النقدية المتينة والواعية، وليست الآراء الإنشائية المجاملة، التي لا تعدو كونها كلمات وأحكاما مكرورة ربما تضر ولا تنفع بالتأكيد، وعليه، فالمجد، أن يحميك مجدك وحده، كما يُقال، وأحسب لو أن المرء لكي يدرأ عنه مالا يحمد عقباه من القول الموجع، والحكم المهين من الآخرين، لأحتكم الى خبرته ووعيه وقدرته على الفهم والتحليل والمحاججة، وليس الاحتكام الى الثقة العمياء بالنفس، لذلك في الخطب تتضح الحقائق، فينماز الكلائشي من
 الأصيل.
من المآخذ على بعضهم، التعقيب على كل العروض المسرحية، على تباين مذاهبها، واختلاف أساليب عرضها، فهذا الأمر يستوجب من المعقب أن يكون ناقداً بحق، بأسلوبه الجميل، ولغته النقدية المائزة، وجرأته النافذة، وقراءته المتبصرة، من دون أن نغفل بعض النقاد المتميزين الذين يفرضون سطوتهم، بجمال رؤاهم، وجلال أفكارهم، وعذوبة أطروحاتهم غير المجاملة الذين يؤكدون للجميع من أن النقد كفاءة وليست وجاهة.
ويفترض بالجلسات النقدية أن تسهم في بلورة ملامح النقد المسرحي العلمي، وليس النقد المناسباتي أو الأخواني، الذي ينتهي بانتهاء المهرجان، في حين أن النقد الحيوي البناء باقٍ بوصفه خطاباً نقدياً رزيناً، يحتفي به الجميع من فرط صدقه، ودسومة أفكاره، وجرأته، الى جانب عمليته وتفرده، وهذا ما نأمله لترصين حركة النقد المسرحي، وتعزيز جدواها.