البرامج الانتخابيَّة

آراء 2021/09/18
...

 د . صادق كاظم 
 
اخبرني صديق اكاديمي ذات يوم تزامن وجوده في المانيا مع موعد الانتخابات هناك، بأنه لم تكن هناك اعداد هائلة من صور المرشحين رغم انه كان يوما حاسما للاقتراع تملأ الزوايا والشوارع والازقة والبنايات العالية، كالتي تحصل عندنا ومنذ سنوات, بل مجرد صورتين احدهما للمستشارة الالمانية انجيلا ميركل بوصفها زعيمة للحزب وصورة اخرى لمنافسها وبحسب راي المواطنين الالمان، فانهم لا يهتمون بصور المرشحين واشكالهم , بقدر اهتمامهم بالبرنامج الانتخابي للمرشحين والاحزاب التي يمثلونها, حيث إن ما يشغل الناخب هو مقدار الضرائب والرعاية الاجتماعية والانفاق على الخدمات والتعليم والصحة والسكن ورؤية المتنافسين من خلال برنامجهم الانتخابي ومدى جديتهم في تطبيق هذه البرامج بعد الانتخابات وليس قبلها.
هذه الاحزاب المتنافسة تختار برامجها الانتخابية بناء على الواقع، ومن خلال تقديرات صحيحة يقدمها خبراء ضالعون في هذه المجالات, اذ إنها لا تبنى على اسس غير واقعية او عاطفية تلامس مشاعر الناخب, لكن من دون ان تقوم بتنفيذها بعد حصولها على السلطة.
هناك امر لافت للنظر في الانتخابات عندنا, حيث ان المرشحين لا يهتمون بالبرنامج الانتخابي قدر اهتمامهم باللافتات والبطاقات الدعائية والصور اكثر من اي شيء اخر، ومن دون ذلك فان الناخبين لا يعلمون شيئا عن برنامج المرشح الانتخابي او رؤيته لمشكلات البلاد الاقتصادية وقضايا البطالة والاسكان والتعليم والخدمات وغيرها، وهي أمور تهم الناخبين لدورة انتخابية كاملة وغياب البرنامج الانتخابي، يعكس قصورا واضحا, فقبل فترة وعلى سبيل المثال استمعت ومن خلال الاذاعة لبرنامج انتخابي لإحدى الكتل, لكنه كان برنامجا خياليا وغير واقعي ويفوق امكانيات العراق ويحتاج الى دولة مثل اليابان لتحقيقه، او برنامج انتخابي اخر يتغنى بانجازات زعيم الحزب اكثر من اهتمامه بمعاناة المواطنين واحتياجاتهم على ارض الواقع. اضافة لذلك فان النظام السياسي البرلماني في العراق لا يسمح بفوز كتلة واحدة في الانتخابات تتولى تشكيل الحكومة,  بل يتكون من عدة كتل واحزاب تقوم باجراء تحالفات وعقد صفقات في ما بينها تلغي اي برنامج انتخابي لها اصلا الذي يصبح بالنسبة لها من الماضي.
ما نحتاج البه فعلا ثقافة انتخابية وسياسية حقيقية تقوم على اساس تعاقد اجتماعي بين الناخب والمرشح، يلتزم فيه المرشح بعد فوزه في الدائرة الانتخابية بتعهداته المطروحة من خلال برنامجه الانتخابي, حيث إن هذا السلوك يكسب العملية السياسية مصداقية كبيرة ويدفع المواطنين لاعادة ثقتهم بالانتخابات والتمسك بحقوقهم السياسية والدستورية.