انتخابات العراق.. تحديات وفرص

آراء 2021/09/19
...

 محمد حسن الساعدي 
مع بدء العد التنازلي واقتراب موعد الانتخابات المبكرة، المقرر إجراؤها في العاشر من تشرين المقبل، والأحزاب والكتل السياسية تستعد للمشاركة، وسط تكهنات بأنها ستكون حامية الوطيس، وتحمل الكثير من المفاجآت. باتت هذه الانتخابات تشغل الكثير من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية ووسائل الإعلام، والتي تنظر لها بعين الحذر والترقب.. وكل هذا يجري وسط تخوف الكتل السياسية عموماً من المشاركة فيها.. خصوصاً أنها ستكون انتخابات فريدة من نوعها، لأنها ستحدد شكل الطبقة السياسية المقبلة التي ستحكم البلاد، وهل سيكون هناك تغيير في شكل ونوع تلك الطبقة، ام أنها ستكون عملية تدوير للوجوه التي سيطرت على المشهد السياسي منذ عام 2003 ولغاية الآن!.
  
الأحزاب والتيارات في معظمها أعلنت مشاركتها، وإن كانت متخوفة ولكنها قررت أن التواجد أفضل من الغياب، في تلك الانتخابات المبكرة والتي جاءت بعد الاحتجاجات الشعبية التي سادت البلاد، وأسقطت حكومة السيد عبد المهدي أواخر 2019.. وبعدها منحت حكومة السيد الكاظمي الثقة لتثبيت الامن البلاد، وصولاً لإجراء الانتخابات المبكرة، وهذا ما جعل الجهور متخوفا من الانتخابات المقبلة ومدى مصداقيتها في تغيير الوجوه التي عكست الفشل في ادارة الدولة.
هذا التخوف قد ينعكس على نسبة المشاركة، تضاف له حملات تقودها جهات وتيارات سياسية، لدفع الجمهور بعيدا عن المشاركة، فكلما قلت نسبة المشاركة كان لحضور جمهورها الحزبي تأثير أكبر، علما أن الانتخابات التي سبقتها والتي جرت في 2018 بلغت نسبة المشاركة فيها أقل من 45 %..
البرلمان من جهته صادق على، إجراء الانتخابات المبكرة في موعدها المقرر، وشرعت قانونها، الذي قسم العراق الى «83» دائرة انتخابية مختلفة، عكس القوانين السابقة، التي تتيح للمرشح نيل الأصوات بعدة دوائر انتخابية، وهذا بحد ذاته يعطي فسحة اكبر للمرشح، للاقتراب من الجمهور، وان يكون ممثلا حقيقياً عن هذه الدائرة.. الأمر الذي جعل الأحزاب تعيد خططها للمشاركة، وضرورة الاعتماد على مرشح يكون مقبولاً في تلك البيئة الانتخابية، الأمر الذي يجعل المقعد في البرلمان لمن يفوز بأكبر عدد الأصوات في دائرته الانتخابية تحديدا.
قانون الانتخابات الجديد، ربما يضيق فرص الدماء الجديدة المشاركة، وفرصة اكبر للأحزاب الكبيرة المهيمنة على المشهد السياسي، ولكن ربما تكون هناك فرصة جيدة إذا ما أحسنوا إستثمارها، من خلال تغيير مبادئ اللعبة الانتخابية والاقتراب من الجمهور أكثر، ما يمنحهم فرصة اكبر في الفوز.. فصار ضروريا افساح المجال أمام هذه الأحزاب الفتية لإبراز نفسها، وتشجيعها على المشاركة بالانتخابات، كما يفترض على الحكومة الاتحادية توفير سبل نجاحها، من خلال توفير الامن الانتخابي للمرشح والناخب على حد سواء، منعاً لتكرار مشهد التهديد، الذي مارسته الجهات المسلحة بحقهم في الانتخابات الماضية.
من وجهة نظر ربما تقبل الصحة والخطأ، يمكن القول إن مشكلة العراق تعود للنظام السياسي وطبيعته، إضافة الى شكل الدستور العراقي الذي حمل صبغة مذهبية وقومية، وقسم البلاد والعباد، ليدخل البلاد في نفق الفوضى السياسية والتقلبات ومبدأ «التوافقية» الذي جمد أي تغيير سياسي، يمكن ان يعتمد عليه مستقبلاً، لذلك تقع مسؤولية كبيرة ومهمة على البرلمان المقبل، الا وهي تعديل الدستور وبما ينسجم وطبيعة المرحلة، التي تتطلب الخروج من التوافقية الى مبدأ «الاغلبية والمعارضة» وأن تأخذ الاغلبية دورها في الإدارة، امام الدور الرقابي الذي ينبغي ان تقوم المعارضة، وهذا هو سياق طبيعي في بلد عانى من ظلم الحزب الواحد والشمولية المقيتة.
يبقى شيء مهم ينبغي على السلطة القضائية الالتفاف إليه، وهو منع تسرب الفساد الى بيع المقاعد البرلمانية والمناصب التنفيذية، وكأن هذه الاحزاب تعمل بمبدأ «القومسيون» الذي يمنح المقعد التشريعي والتنفيذي بالمال، بعيداً عن اي مقياس سياسي يعتمد الكفاءة والنزاهة، حتى وصل الحال أن تكون هناك بورصة لتقييم المقعد التشريعي او التنفيذي.. فإن نجحت كل تلك الجهات في إنجاز نسبة عالية من ما هو مطلوب منها، ربما سنشهد بداية لتغيير ينجح في نقل حال البلد إلى شكل آخر كلنا نتمناه، في عملية قد تكون واحدة من الفرص النادرة التي تمكنا من التغلب على التحديات.