السحر والشعوذة في ميزان العقل

آراء 2021/09/19
...

 د. عبد الواحد مشعل
 العقل موجه الإنسان وقائده، به يغير نفسه، ومن حوله، وبه يمكن يؤخر نفسه، ويؤثر في من حوله، به يكون متفاعلا مع الحقيقة بقدرته على اكتشافها، وبه تتطور المعرفة، وبه يتخلف المجتمع في حالة استقالته، ونلاحظ اليوم في محيطنا الاجتماعي انتشار السحر والخرافة وقراءة الطالع، والتصديق بمن تتوقعه الأبراج الفلكية، فيصدق من يصدق، ويبني عليها الآمال، لتحقيق راحته النفسية وان كانت مؤقتة، وبالمقابل نجد العقل الناقد يرفض كل محاولات السحرة والمشعوذين علي إيهام العقل بالخرافات، مقابل الكسب المادي. 
 
إن انتشار المشعوذين والسحرة في المجتمع العراقي في المرحلة الحالية اضحي مؤشرا خطيرا على تراجع القيم المعرفية والحضارية وارتفاع وتيرة الجهل فيه، وبهذا تمكن المشعوذون السيطرة على عقول الكثير من الناس، الذين يصدقون ادعاءاتهم بطرق واساليب مختلفة، ما جعل عقل المتلقي يصدق بتلك الادعاءات، وينفق في سبيل ذلك أموالا طائلة، وعندما نناقش انتشار هذه الظاهرة في مجتمعنا اليوم، فانه يستدعي إثارة تساؤلات عدة منها هل يلجأ الناس الى علاج مرضاهم، وحل مشكلاتهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية الى السحرة والمشعوذين، بعد ان أصابهم اليأس من جدوى العلاج العضوي أو الطب النفسي، أو في حل المشكلات الاجتماعية بأسلوب علمي، فذهبوا مضطرين الى أولئك المشعوذين عسى أن يجدوا عندهم مخرجا لأزماتهم؟ أم أن تراجع التعليم، وتراجع القيم الحضارية وأسلوب الحياة العقلاني، سبب مباشر لانتشار تلك الأساليب البالية؟
وهل أدى تراخي أجهزة الدولة في التصدي لهؤلاء المشعوذين والسحرة الى تماديهم في الضحك على عقول الناس؟
وهل ساعد المشعوذون والسحرة على تحقيق مقبولية كبيرة من لدن البعض قدرتهم على مزج اساليبهم وخزعبلاتهم بالجوانب الروحية والدينية؟
وهل العقل العراقي نفسه بات يميل إلى تلك الأساليب السحرية؟
الإجابة عن تلك التساؤلات قد تكون متاحة في إطار مترابط ومتكامل مفاده بأن التراجع الحضاري، وتراجع التعليم وعدم قدرة المراكز الصحية والمستشفيات على تأدية أدوارها بشكل يستجيب لحاحات، وغياب المحاسبة القانونية وملاحقه السحرة والمشعوذين، أدى في نهاية المطاف إلى تكوين عقل منصاع لعقل يتفنن في تمرير أساليبه الخادعة عليه، ما أرهق ميزانية الإفراد والأسر وخلق مشكلات كثيرة، منها ارتكاب جرائم بحق الغير، حينما يؤكد لهم السحرة بأنهم مستهدفون من أقارب أو جيران لهم، وعليه يمكن القول إننا أمام عقلين، الأول مستقيل يضحك عليه المشعوذون والسحرة، وتمر عليه ادعاءاتهم وخزعبلاتهم بسهولة، اما الثاني هو العقل الناقد الذي يبحث عن الحقيقة بشروطها الموضوعية، سواء كان ذلك في تحليل بنودها، ام في تأكيد صحتها بدعم ديني وتفكير معرفي رافضا الخرافة والدجل، وعدد أصحاب هذا العقل، للأسف اصبح يتناقص يوما بعد آخر أمام تزايد اعداد أصحاب النوع الأول، حتى أصبح العقل الخرافي، يضحك على عقول الناس أكثر من قدرة العقل المعرفي النقدي من التصدي لتك الخرافات وأصحابها.