الدعاية الانتخابيَّة

آراء 2021/09/20
...

  زهير كاظم عبود 
الترشح لمهمة مجلس النواب تعني التنافس لعضوية أعلى سلطة تشريعية في البلاد، ومن بين المهمات المناطة بعضو مجلس النواب التي لابد لكل مرشح ان يعرفها هي المسؤولية القانونية في تشريع القوانين الاتحادية، والرقابة على أداء السلطة التنفيذية ومن ثم انتخاب رئيس الجمهورية، والمصادقة على المعاهدات والاتفاقيات التي يعقدها العراق مع الدول والمنظمات الدولية، وأيضا التدقيق والموافقة على تعيين عدد من الدرجات الوظيفية المهمة في الدولة. 
ولعل من بين اخطر المهام التي فصلتها المادة (61)، من الدستور العراقي على عضو مجلس النواب هي الموافقة على اعلان الحرب وفرض حالة الطوارئ، ويحق للمواطنين العراقيين ممن يجدون في انفسهم القابلية والكفاءة والاستيعاب لتبوئ مثل هذا المركز المهم والمنصب الفاعل في قيادة البلد، أن يتنافسوا في ما بينهم تنافسا شريفا ومقبولا، وفقا للقواعد والاسس التي تضعها اللجنة العليا للبلاد، مع مراعاة الاحكام والقوانين الخاصة بهذا التنافس المشروع. 
وينتظر المواطن العراقي في ظل ظروف بالغة التعقيد والدقة يمر بها العراق أن يكون المتنافس للترشح لعضوية مجلس النواب مؤهلا ومستوعبا، لإحداث نقلة نوعية في عمل مجلس النواب للدورات القادمة وتحقيق أداء سياسي واقتصادي واجتماعي صحيح ويخدم المستقبل. 
وفي سبيل اظهار إمكانيات المرشح ونشر برنامجه الانتخابي يلجأ بعض المرشحين الى استخدام الصورة الاعلانية والمقاطع التلفزيونية لتبسيط تلك الإمكانيات، المقروءة والمسموعة والمرئية منها، ومن بين تعليمات اللجنة العليا للانتخابات، التي أصدرتها حول قواعد الدعاية الانتخابية منع اي مرشح من القيام بدعاية انتخابية تنطوي على خداع الناخبين والتدليس عليهم، مثلما يحظر استخدام أسلوب التجريح او التشهير بالآخرين في الدعاية الانتخابية.
الدعاية الانتخابية تعني تسويق المرشح لنفسه امام الجمهور لإقناعه بجدارته وكسب أصوات الناخبين، غير أن هناك عددا من المرشحين يلجأ الى استخدام أساليب لا تخرج عن اطار الخديعة والتسويف والدجل، كان يكتب في دعايته الانتخابية انه رشح نفسه بأمر من احد الائمة او الاولياء الصالحين، يعني هذا للمواطن الواعي ان المرشح او المرشحة لم تكن له الرغبة مطلقا في العمل ضمن السلطة التشريعية، لولا هذا الامر او (الحلم) او أنه يتسابق امتثالا لأمر خارج سياق العملية التشريعية ومقدماتها ما يجعله يقع ضمن عملية خداع الناخبين، وكاشفا عن حقيقة الخواء والفشل، الذي يحمله في سلوك يتنافى مع ضوابط وتعليمات اللجنة العليا للانتخابات، وتسفيها لعقلية الناخب والاستخفاف بالمواطن، ومع الثقة التي يعتقدها اغلب الواعين والمتعلمين من هذا الأسلوب الرخيص في كسب تعاطف ومحبة الناس للائمة والاولياء، لن يفلح ولن يتمكن من الضحك على ذقون وعقول البسطاء من أهلنا واخوتنا ضمن هذه الفترة، التي نتفق جميعا على ضرورة احداث نقلة نوعية للتغيير بعد التدهور والنكوص، الذي حل بالبلاد جراء سياسات تشريعية وتنفيذية غاية في الفشل، مع تغول الفساد والإرهاب ليصبح واجبا على كل وطني ومخلص واعٍ لهذا البلد أن يتكاتف لتخليص العراق من هذه الأمراض التي تعيق مستقبله وتجعل أمنه وحياة شعبه بغاية الخطر. 
قسم آخر من المرشحين من يعتقد أن برنامجه الانتخابي يتضمن الوعود بتبليط الشوارع والقيام بالخدمات، التي تقوم بها البلدية او المحافظات، فيطلق الوعود عن زيادة عدد ساعات الكهرباء والماء وتوزيع قطع الأراضي لبناء المساكن واطفاء الديون المترتبة بذمة المستلفين والدائنين. ويصل الامر الى وعود وايمان غليظة بإطلاق سراح المتهمين حتى لو كانت احكاما باتة في قضايا الإرهاب، التي أصدرتها المحاكم المختصة وصادقت عليها محكمة التمييز الاتحادية. 
الحقيقة ان القلة من العراقيين من يعرف هذه الخدع والوعود التي لا تجد لها أساسا من الصحة والتي كانت قد مورست سابقا من عدد من المرشحين لعضوية مجلس النواب، وأثبت التاريخ عدم تنفيذهم لأي جزء منها، بسبب عدم علاقتهم بهذه المهام فأضاعوا المشيتين، بعد أن نافسوا غيرهم ممن كان اصلح منهم في تبوء مركز عضوية مجلس النواب. 
عضوية السلطة التشريعية تتطلب أن يكون المرشح مستوعبا للحريات العامة والخاصة التي تم انتهاكها مرارا من دون ان يتحرك، وان يكون مستوعبا لمعنى السيادة التي تم انتهاكها مرارا دون ان يتحرك، والمشكلة تكمن في تابعية المرشح لكتلة يقودها زعيم لا يمكن الاختلاف معه ولا مخالفة توجهاته السياسية، وبالتالي لن يكون لصوت المرشح أي قيمة في غياب حرية القرار. 
الدعاية الانتخابية حق مقرر لكل مرشح يقوم به وفقا، لما يراه صالحا ومتناسبا مع برنامجه الانتخابي بعيدا عن التزويق والخداع حتى يمكن ان تتعزز الثقة، من أن هناك من يريد أن يسهر على مصالح شعب العراق ويؤدي مهمته بأمانة وإخلاص وشرف، والتي لا تتفق مع سلوك التعكز على تأجيج الطائفية او النعرات العشائرية او القومية او الدينية.
لجوء بعض المرشحين لسلوك طرق تتعارض مع التنافس الشريف بتمزيق صور مرشحين اخرين في الدائرة الانتخابية نفسها، أو تلويث صورهم عن طريق وكلاء وماجورين سلوكا يعاقب عليه القانون، كما أن تهديد الوحدة الوطنية باستخدام الشعارات الدينية او الرموز الدينية دعوة واضحة وصريحة للتفريق والتمييز بين المواطنين، تتعارض مع ان المرشح لعضوية مجلس النواب سيكون ممثلا لكل العراقيين ان نجح في ترشيحه، كما ان تقديم الهدايا والمساعدات المادية او العينية وحتى الوعود بتقديمها بصورة مباشرة او غير مباشرة، يعد خرقا لضوابط الدعاية الانتخابية وتعارضا مع مفهوم الانتخابات.
 إن ما يقنع الناخب معرفته بقدرات المرشح لعضوية السلطة التشريعية التي تختص بتشريع القوانين لكل العراق، وان له تاريخا حافلا بهذه المهمة في التجارب السابقة، ولعل هناك من يتذكر أن الفشل الذي لاحق عددا من المرشحين لم يزل مثل السابق مع اصرارهم على الترشح مجددا، اعتمادا على اعتقادهم ان العراقي ينسى ما حل بالعراق وأين انتهت وعودهم ومسيرتهم؟ وماذا حققوا من مكاسب؟ وماذا حصد المواطن جراء تلك السنوات السابقة؟. 
يراهن من يعتقد بضرورة اجراء الانتخابات على تنامي حالة الوعي وانتشار قيم حقوق الانسان وتعزيز الحريات العامة والخاصة وحرية الراي التي نص عليها الدستور، وانتصار قيم الحق والعدل على التخلف والقمع والصفقات المشبوهة والاثراء على حساب الشعب، مع ان هناك من لا يعتقد بجدوى هذه الانتخابات لوجود أسباب منطقية ومقبولة لذلك.