الدعاية الانتخابيِّة.. عرض برامج أم تسقيط مؤسسات؟ الاعتداء على القضاء أنموذجاً

آراء 2021/09/21
...

 سالم روضان الموسوي
إنَّ الوقت الراهن هو موسم التصريحات السياسية لأن بازار الانتخابات على الأبواب، ويعتقد بعض الواهمين أن التصريح والظهور عبر وسائل الإعلام هو وسيلة من وسائل الدعاية الانتخابية، حيث يرى المختصون في هذا الباب أن الدعاية الانتخابية هي (جميع أنشطة الاتصال التي تهدف إلى تدعيم الثقة في الحزب أو المرشحين السياسيين بشأن حالة إنتخابية معينة، وإمداد جمهور الناخبين بالمعلومات محاولة منها التأثير بكل الوسائل والإمكانات والأساليب المتاحة وجميع قنوات الاتصال والإقناع بهدف الفوز في الانتخابات أو زيادة مؤيدي الحزب ومرشحيه، وإبراز صورته أمام الناخبين) ويجمع أصحاب الاختصاص على المرشح في سعيه لنيل ثقة الجمهور. 
 
أن يعرض معلومات قد تكون خفية على الناخب، والمعلومات هي مـجموعة من الـحقائق و البيانات التي تـخص أي موضوع من الـموضوعات، والتي تكون الغاية منها تنمية وزيادة معرفة الإنسان، فانها حقائق او بيانات موثقة. لكن بعضا من الهواة في العمل السياسي أو الإعلامي، يعتقد أن التسقيط والتهريج هو الوسيلة الأمثل له في كسب تعاطف جمهور الناخبين، مع ان المرشح وبحكم المنطق وكذلك بحكم القانون ملزم بتقديم برنامج انتخابي، على وفق ما ورد في المادة (12) من قانون انتخابات مجلس النواب رقم (9) لسنة 2020، التي جاء فيها الآتي (يُشترط أن يقدم الكيان السياسي او المرشح برنامجهم الانتخابي مع الترشيح).
 والبرنامج الانتخابي هو عبارة عن خطة يضعها المرشح، يوضح من خلالها الأهداف والمشاريع، التي يسعى لإنجازها أثناء فترة عضويته إن فاز بها، ويشخص مواطن الخلل ومن ثم يضع الحلول التي يراها، من خلال التشريع أو الرقابة البرلمانية، ومناسبة القول هذا ما صرح به بعض من المرشحين لعضوية مجلس النواب، عبر برنامج تلفزيوني وفيه كلام غير دقيق عن القضاء، وقد يصل إلى حد الإساءة إلى سمعة القضاة الشخصية، قبل أن يمس سمعة القضاء كمؤسسة، وحاول هؤلاء الأشخاص توجيه تهم تصل إلى حد القذف والافتراء، عندما وجه كلامه بتعميم غير مبرر. 
حيث اتهم القضاة بأشخاصهم لا بوظائفهم عندما صرح وبأسلوب بهلواني على انه على يقين بأن الأكثرية من القضاة يبيعون الأحكام مقابل رشى مالية، وأخرى كما اسماها (ليالي حمراء) وثنى زميله الآخر في العرض البهلواني واضاف بأن أكثر القضاة لديهم شركات صيرفة ومكاتب تحويل أموال وشركاء في المصارف، على حد وصفه، وهذا القول فيه تجنٍ على القضاة، كما انه اعتداء على حق المواطن في وجود قضاء مستقل، وهو من الحقوق الدستورية، التي وردت في باب الحقوق في المادة (19) من الدستور، ودعم هذه الاستقلالية لا يعد بحثاً لتمييز القضاء عن سواه، وإنما تعزيز أو تفعيل لحق الإنسان في ذلك، وظهرت دراسات كثيرة تبحث في استقلال القضاء وكيفية وآلية دعم هذا الاستقلال تتمثل بعدة آليات منها (الدستورية، الشعبية، الجزائية، وسائل الإعلام).
 والوسائل الإعلامية لها أهمية كبرى في دعم هذه الاستقلالية، إلا أننا نجد أن مثل هؤلاء المرشحين يتعمدون إلى خدش هذه الاستقلالية بطرق شتى منها النيل والمساس بسمعة القضاة الشخصية، بدلا من التثقيف القانوني والحقوقي لعامة الناس. ولا أقصد هنا النقد الموضوعي للعملية القضائية، لأن الخطأ في العمل مفترض نظرا للطبيعة الإنسانية التي جبلت على ارتكاب الخطأ ويقول الرسول الأكرم (ص) (كل ابن ادم خطّاء وخير الخطائين التوابون )، وإنما اقصد التشهير أو القذف سواء تجاه المؤسسة القضائية أو شخوصها، فان ذلك يؤدي حتما إلى تنمية الشعور بعدم الثقة من قبل المواطن تجاه القضاء، وبالنتيجة سيؤدي إلى العزوف عن اللجوء إلى تطبيق القانون ويذهب الناس إلى شريعة الغاب، وما يجري الآن من انفلات الأمن في بعض المناطق وعدم احترام تطبيق القانون، ومنها النزاعات في القرى والأرياف وحتى في مراكز المدن ومنها العاصمة بغداد التي فقدت حضريتها، بسبب تنامي هذا الشعور بعدم اللجوء إلى القضاء من جراء هذه الاتهامات، التي يوجهها أمثال هؤلاء المرشحين، لكن قد يحتج البعض على ما تقدم ذكره من وجود قصور في الأداء الوظيفي للمؤسسة القضائية، وقد يكون بعضهم يظن بانه ضحية ذلك القصور، فأنا أكرر ما قلته إن الخطأ والقصور مفترضان في العمل وليس في السكون، والقضاء دائم العمل وبوتيرة وزخم عالٍ وفي تماس مع حاجة الناس، وان إنتاجه القضائي يتعلق بحرية الإنسان وبحياته التي قد ينهيها حكم قضائي بالإعدام، أقول نعم هذا وارد وأكيد، لكن القانون قد تحسّب لذلك القصور في الأداء، عندما جعل من طرق الطعن سبيلا لاستئناف الأحكام والاعتراض عليها وتمييزها، لدى محاكم اعلى درجة من المحكمة التي أصدرت الحكم، سواء كانت تتشكل من قاضٍ منفرد أو من هيئة قضائية، لان القاضي من صنف البشر غير المعصوم ومعرض للاجتهاد الذي يصيب ويخطئ أحيانا، كذلك قد يكون بعض ممن يحسب على القضاء قد تسول له نفسه الامارة بالسوء، ويغلب ذلك الطبع على شخصية القاضي وينحرف نحو الموبقات، فان القانون أيضا توقع ذلك وتحسب له عندما اوجد هيئة للاشراف القضائي التي تعد من مكونات السلطة القضائية، وهي هيئة فعالة وتتمتع بالاستقلال المادي والمعنوي على وفق المادة أحكام المادة (1) من قانون هيئة الإشراف القضائي رقم (29) لسنة 2016، فضلاً عن تعزيز هذا الاستقلال بما نص عليه الدستور في المادة (89) من الدستور التي جاء فيها الآتي:
 (تتكون السلطة القضائية الاتحادية، من مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الإشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الأخرى التي تنظم وفقاً للقانون). ومهمة هذه الهيئة هي محاسبة القاضي على سلوكه الشخصي والوظيفي ويتم التحقيق معه وقد يصل حد العقوبة إلى عزل القاضي أو إحالته على المحاكم الجزائية، إن كان فعله يشكل جريمة، وقد يلزم بتعويض المتضرر من قراره الذي فيه قصور متعمد، وان باب هذه الهيئة مفتوح لكل مشتكٍ او مخبر من أي جهة او صنف كان، بل انه يقبل الشكوى حتى لو كانت عن قول في وسائل الإعلام او عن طريق الإنترنيت، على ان تكون واضحة ويتم تحديد اسم القاضي او اسم المحكمة، التي ينسب اليها هذا الاتهام، فانه لا يتوانى عن محاسبة القاضي، لكن أن يكون الأمر من خلال وسائله القانونية، وليس عبر التشهير غير المخصص أو المحدد، مثلما قام به هؤلاء المرشحون، وكان عليهم ان يوجهوا هذه المعلومات إلى مجلس القضاء الأعلى أو هيئة الإشراف القضائي أو رئاسة الادعاء العام، ومن الممكن التواصل عبر الوسائل الإلكترونية او المواجهة الشخصية، وعند عدم اتخاذ الإجراء المناسب بحق هذا القاضي، الذي زعم المرشحون انه ارتكب بعض الموبقات، والتي هي باب من أبواب الفساد، لأن الفساد قرين كل موبقةٍ، لهم ان يعرضوا كل ما لديهم مع ما قدموه إلى القضاء عبر وسائل الإعلام، ليطلع الجمهور عليها.
 كما ان الدفاع عن القضاء هو ليس دفاعا عن أشخاص أو مناصب قضائية، وإنما دفاع عن حق من حقوقنا الدستورية، والقضاء هو ليس ملك شخص معين ولا مجموعة من الأشخاص مهما كانت مناصبهم وسلطانهم، وإنما القضاء هو قضاؤنا جميعاً، سواء كنا من المواطنين أو من القضاة المستمرين في الخدمة أو خارجها، والقضاء ملاذنا وحصننا الذي يحمينا من المعتدي على حقوقنا، ولا بد أن نتبع السبل القانونية في المعالجة التي نعتقد وجوب توفرها، حتى وإن اختلفنا مع من يتولى زمام القيادة، لأن الخلاف هو من أجل تقديم الأفضل وليس لأغراض أخرى، وان نبتعد عن التسقيط لأغراض انتخابية، لان ذلك لا يعد من الدعاية الانتخابية، وإنما اعتداء على عموم القضاة كون هؤلاء عمموا التهم على الجميع، ولو كانوا قد حددوا الأشخاص بأسمائهم لكان الضرر اقل، وإنما أن يطلق عنان اللسان المنفلت بكيل التهم وتوجيه الافتراء، فانه أمر غير مقبول، وأكرر القول على هؤلاء المرشحين ان يقدموا ما لديهم من أدلة أو معلومات إلى هيئة الإشراف القضائي ومن ثم الإعلان عن نتائجها، حتى لا يمس الاعتبار الشخصي للقضاة، سواء من كان في الخدمة او خارجها، وعلى من يعتقد ان الخلل في القضاء بنيوي أو هيكلي ومؤسساتي، عليه أن يقدم برنامج الإصلاح تجاه هذا الخلل، وهذا امر مطلوب لان القضاء، تنظم أعماله نصوص قانونية قد يعتريها الخطأ او النقص، مثلما يحصل لجميع التشريعات النافذة، لان بعض النصوص النافذة قد لا تواكب المبادئ الدستورية التي تضمنها الدستور النافذ، لان بعض هذه القوانين من حقب زمنية ماضية، وانا كنت قد بينت عدة نصوص قانونية تتعلق بالتنظيم القضائي بحاجة إلى التطوير إما بتعديلها أو الغائها او إكمال النقص فيها، وحتى كان لنا مقترح يتعلق بآلية اختيار من يشغل المناصب العليا في الإدارة القضائية بما يتفق ومبدأ الديمقراطية في العمل، والتي تبناها الدستور العراقي، عندما جعل من الديمقراطية من أوصاف نظام الحكم في العراق وعلى وفق ما ورد في المادة (1) من الدستور التي جاء فيها الآتي (جمهورية العراق دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ، وهذا الدستور ضامنٌ لوحدة العراق)، فهذا الإصلاح يعد من اهم واجبات المرشح اذا ما نال شرف العضوية في مجلس النواب بوصفه ممثلاً للشعب، وليس له أن يرمي الافتراءات دون حياء أو يرمي القول على عواهنه.
 قاضٍ متقاعد