الجاليات المسلمة في الغرب.. بعد 11 ايلول

آراء 2021/09/23
...

 كاظم الحسن   
 
لم تثر قضية للجاليات في الغرب، مثلما اثارته أحداث 11 ايلول، التي فتحت الباب على مصراعيه على جدل محتدم، تمخض عنه فرضيات عديدة، عن اسباب ظهور العنف والارهاب في الشرق وتأجيج بذور الكراهية، بين الغرب والعالم الاسلامي، ومنها اتهام الانظمة الدكتاتورية في الشرق الاوسط، بأنها الحاضنة الاولى للعنف، الذي يتغذى على الفقر والحرمان والبطالة والاقصاء والتهميش، وان بذور الارهاب تنبت في مراتع الاستبداد. 
وقد كان للغرب دور كبير في دعم تلك الانظمة، ويبدو أن هذا الدعم هو الذي ولّد حالة انعدام الثقة لدى شعوب المنطقة، بمشروع الاصلاح والديمقراطية، الذي تبنته الولايات المتحدة الاميركية، واطلقت عليه مشروع الشرق الاوسط الكبير. 
هذه التجاذبات والشكوك بين الشرق والغرب انتقلت الى الجاليات المسلمة في اوروبا، بعد احداث 11 ايلول العاصفة وأخذت منحى اخر، تمثل بجدل الهوية والانتماء. حيث اصبح السؤال الذي يطرحه كثيرون هو أين الخلل؟ 
ولماذا تنحدر جماعات من هذه الجاليات الى التطرف والعنف والتعصب، وتجعل من العراق وسوريا واجهتهما ومحطتهما كي تمارس الارهاب. 
من المعروف ان التعددية العرقية والثقافية والاجتماعية، بل واللغوية تعد سمة اساسية في بريطانيا، لكن داخل احشاء تلك التعددية تكمن حالة الاغتراب والتمزق، من خلال تسمية {الجاليات المسلمة} والتي تعني عدم الانصهار والاندماج في تلك البلدان، وهذا دليل على أن هذه الجماعات تعيش عزلة عن المجتمعات الغربية، ما يسهل من اقترابها من الافكار التكفيرية والمتطرفة، وهذا الانشطار بين الانتماء الى الدولة والاحساس بعمق الهوية المحلية، التي لا تنصهر في بوتقة المواطنة، يشكل ازمة كبيرة في المجتمعات الاوروبية.
وقد عبر عن ذلك (نورما تبت) نائب رئيس حزب المحافظين البريطاني وأحد أبرز مساعدي رئيسة الوزراء آنذاك مارغريت تاتشر قبل اكثر من 25 عاما، متحدثا عن الاسيويين البريطانيين: {لقد فشلوا في لعبة الكركيت} وكان يقصد بذلك ان هؤلاء البريطانيين، كانوا يؤيدون الفرق البنغالية والهندية والباكستانية؟ على حساب الفريق الانكليزي، عندما يحضرون المباريات بين الفريقين. 
وهذا التمزق في الهوية، لا يشمل الجاليات المسلمة في اوروبا فحسب، بل يمتد الى دول مثل تركيا، التي تسعى للانضمام الى الاتحاد الاوربي. تركيا ينظر لها في المؤتمرات الاسلامية، على أنها الاقرب الى اوروبا من خلال علمانية الدولة، ومن جهة اخرى ينظر لها في اوروبا، على أنها الاقرب الى الدول الاسلامية منها اليها. 
وقد أوجز الكاتب صموئيل هنتغتون ذلك بثلاثة شروط بالنسبة للدول، التي تعاني من ازمة الهوية وهي اولا: ان الصفوة السياسية والاقتصادية يجب أن تكون مؤيدة ومتحمسة لعملية الاندماج. 
ثانيا: العامة يتعين عليهم على الاقل ان يكونوا راغبين في القبول او الانصياع لاعادة تحديد الهوية. 
ثالثا: ان العناصر المسيطرة في الحضارة المضيفة، يتعين عليها أن تكون راغبة، لاحتضان او قبول ذلك التحول. 
إن عملية اعادة تحديد الهوية ستكون طويلة ومؤلمة سياسيا واجتماعيا وثقافيا.