فرنسا لم تقل كلمتها الأخيرة بعد.. هكذا تكلم إيريك زمور

آراء 2021/09/25
...

 د. فخري العباسي
لم يتعرض كاتب فرنسي إلى العقوبات الجنائية في فرنسا مثل ما تعرض ويتعرض له الكاتب والصحفي المشهور إيريك زمور (Eric ZEMMOUR)، الذي خضع إلى عدة محاكمات بتهم الاستفزاز والتمييز العنصري والتحريض على الكراهية ليس فقط تجاه المهاجرين الاجانب الذين يطلبون اللجوء إلى فرنسا، ولكن خاصة ضد المسلمين الفرنسيين وضد طالبي اللجوء منهم في فرنسا على حد السواء. كما أنه واجه العديد من الدعاوى التي رفعتها مختلف جمعيات المجتمع المدني العربية والمسلمة ضده وحكم عليه فيها بدفع مبالغ كبيرة إلى هذه الجمعيات بتهمة التحريض والكراهية العنصرية. وهو ملاحق قانونيا اليوم بتهمة وصفه اللاجئين القاصرين طالبي اللجوء إلى فرنسا بأنهم “سراق” و “قتلة” بل وحتى بكونهم “مغتصبين جنسيين”.
فمن هو ايريك زمور؟ ولد هذا الكاتب سنة 1958 وهو صحفي سياسي وكاتب ومؤرخ من أصل يهودي، ولكنه علماني الاتجاه لا ينتمي إلى أي حزب سياسي فرنسي بالرغم من أفكاره السياسية اليمينية المتطرفة والعنصرية.
وهو حاصل على عدة شهادات عليا ويعمل منذ عدة سنوات في صحيفة الفيغارو واسعة الانتشار.
كما أنه صرح برغبته في الترشيح لرئاسة الجمهورية الفرنسية، إلا أنه تراجع بعد فترة عن ترشيحه بحجة أنه قد لا يحصل على العدد الكافي من الناخبين، نظرا لوجود منافس له في الترشيح تمثل بالمرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان التي قد تحصد أصواتا مهمة في الانتخابات.
وقد ازدادت شهرته خاصة بعد موجات الهجرة الأخيرة التي تدفقت إلى أوروبا وخاصة إلى فرنسا في العقدين الأول والثاني من سنوات الألفين، حيث تصدى إلى هذه الموجات بقلمه وصوته سواء على مستوى الصحافة المرئية والمسموعة أو الصحافة المقروءة.
وقد نشر إيريك زمور عدة مؤلفات حازت على شهرة واسعة لدى قراء الدوائر اليمينية، وأثارت جدلا مطردا في الأوساط السياسية الفرنسية مثل الجنس الأول (Le premier sexe) و الأخ الصغير (Petit Frère) والحزن الفرنسي (Mélancolie française) والانتحار الفرنسي (Le Suicide français)، وكلها تتناول بشكل أو بآخر مسائل عنصرية، مثل الحفاظ على الهوية القومية الفرنسية وكيفية التصدي للهجرة الأجنبية، لا سيما الهجرة الإسلامية إلى فرنسا التي يدعي بأنها تشكل خطرا على مستقبل فرنسا وهويتها 
القومية. 
ولكن كتابه الأخير الذي صدر منذ بضعة أيام والذي أطلق عليه اسم فرنسا لم تقل كلمتها الأخيرة بعد (La France n’a pas dit son dernier mot)، الذي صادف صدوره مع بدء المحاكمة التاريخية الكبرى لمرتكبي تفجيرات 13 أكتوبر 2015 التي سقط فيها عدد يزيد عن 130 قتيلا فرنسيا على يد مجموعة إرهابية إسلاموية متطرفة، أثار ويثير اهتمام مختلف الأوساط السياسية، التي يرى البعض منها بان صدور الكتاب في هذه المرحلة قد يمثل مناسبة لإثارة نوع من الكراهية ضد المسلمين الفرنسيين وطالبي اللجوء المسلمين إلى 
فرنسا. 
يتمحور كتاب ايريك زمور هذا حول ظاهرة الإسلاموفوبيا، أي الخوف من الإسلام التي ترى بأن المسلمين الفرنسيين وطالبي اللجوء المسلمين إلى فرنسا غير قادرين على الاندماج في المجتمع الفرنسي، لأنهم وببساطة يتمسكون بالمظاهر الثقافية والدينية الاسلامية، وهو ما قد يشكل خطرا على مستقبل فرنسا العلماني وخاصة القومي المهدد على المستوى القريب، نظرا للتكاثر السكاني لديهم كما يدعي مناصرو هذه الظاهرة، مقارنة بالتكاثر العددي المحدود للفرنسيين الاصليين ونظرا، حسب ادعاءاتهم، لأنهم يعملون على أسلمة فرنسا عن طريق نشر الثقافة الإسلامية في فرنسا، بدلا من الاندماج التام في المجتمع
 الفرنسي.
عند عرضه لكتابه أثناء مختلف الندوات التي نظمها لترويجه خاصة عبر القنوات التلفزيونية والاذاعية الفرنسية، أكد ايريك زمور بأنه يدافع في أفكاره عن فرنسا، عندما ينتقد الفرنسيين المسلمين المتطرفين أو طالبي اللجوء المسلمين، لأن الأفكار الدينية الإسلاموية التي يريدون نشرها في فرنسا حسب إدعائه سوف تهدم الصرح العلماني، الذي شيدته هذه الدولة منذ الثورة الفرنسية والذي دفع الفرنسيون دماءهم ثمنا له، عندما تمكنت فرنسا من وضع حد لنفوذ الكنيسة الفرنسية في تسيير شؤون الدولة الفرنسية.
كما أعلن صراحة عند سؤاله عما سوف يفعله، إذا تمكن من الوصول إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية على سبيل المثال، قائلا بانه سيفعل ما فعله نابليون مع اليهود بعد الثورة الفرنسية، عندما فرض على اليهود تسمية أطفالهم بأسماء فرنسية بدلا من الأسماء اليهودية المتداولة حينها، وهو ما يريد تطبيقه هو أيضا على أطفال العرب المسلمين الفرنسيين أو اللاجئين المسلمين، لكي يطلقوا أسماء فرنسية على أطفالهم بدلا من الأسماء العربية أو الإسلامية، لكي يشكل مثل هذا العمل بداية للإندماج الكامل للأجيال القادمة في المجتمع الفرنسي واقترح على سبيل المثال أن يحمل الاسم الأول للطفل المولود في فرنسا اسما فرنسيا قبل الاسم الثاني الذي قد يكون محمد...
الخ.
وفي رد على أحد الصحفيين حول اسم لاعب الكرة المشهور زين الدين زيدان ذي الأصول الجزائرية، الذي احتفظ باسمه المسلم رغم تصريحه بأنه يتبنى الهوية الفرنسية قبل تبنيه للهوية الجزائرية، قال زمور بأنه كان من الأجدر على لا عب الكرة أن يحمل اسم “جان زيدان” بدلا من زين الدين” إذ إنه ولد قبل أن ينتهي نفاذ قانون منع الأسماء غير الفرنسية، وإدعى بالتالي بأن والديه قد خرقا القانون الفرنسي، كما يفعل الكثيرون من غيره من دون التعرض إلى أي 
عقاب. 
وعند سؤاله عن السبب الذي يدفع بالمهاجرين العرب والمسلمين إلى التدفق الكثيف إلى فرنسا، بدلا من طلب اللجوء في الدول الأوروبية الأخرى، أجاب زمور بأن السبب يتمثل في أن الامتيازات المالية المقدمة في فرنسا للاجئين، تشكل امتيازات مالية مهمة مقارنة بالامتيازات الممنوحة في الدول الأخرى مثل إعانات السكن والراتب والمساعدات المالية المخصصة للأطفال، مدعيا في الوقت نفسه بأن الإعانات المالية الممنوحة للأطفال في فرنسا، هي التي تدفع المهاجرين إلى الإهتمام بإنجاب أكبر عدد من الأطفال لكل أسرة، وهو ما يعني بالنسبة له زيادة سكانية مسلمة مخيفة على مدى المستقبل.
وإدعى بأن المهاجرين المسلمين لا يريدون العمل في فرنسا، بل يفضلون العيش فيها على حساب الإعانات المالية الممنوحة لهم ولأطفالهم.
وطالب بقطع جزء من المساعدات المالية أو كلها عن المهاجرين، وعن طالبي اللجوء إلى فرنسا وترجيل المهاجرين الفوري الذين يرتكبون جنحة معينة، حتى وإن كانت بسيطة بدلا من ايداعهم في السجون الفرنسية المليئة بالمهاجرين العرب والمسلمين، الذي إدعى هنا أيضا بأن الأغلبية منهم تعمل في تجارة وترويج
 المخدرات.
قد تنطبق مثل هذه الإدعاءات على نسبة ضئيلة من المسلمين الفرنسيين وطالبي اللجوء ذوي الاصول العربية أو المسلمة، ولكن تعميمها على الغالبية الكبرى منهم لا يمكن إلا أن تشكل مبالغات غير معقولة، وهي المبالغات التي تحتويها صفحات كتابه الأخير ومعظم كتبه الاخرى.
ويكفي التعمق ولو قليلا في مهن مثل الطب والتدريس والتجارة وحتى المهن الثقافية والفنية واليدوية الممارسة في فرنسا، لكي نتحقق من زخم الوجود العربي والإسلامي الذي طالما شكل ويشكل محركا واسعا ودافعا رئيسيا للاقتصاد الفرنسي 
والأوروبي.
وسواء كانت إدعاءات ايريك زمور المذكورة في كتابه الأخير وفي تصريحاته الصحفية نابعة من ظاهرة الإسلاموفوبيا الزائفة، أو من رغبة عنصرية عارمة لدى اليمين المتطرف الذي ينكر على المسلمين الفرنسيين والمهاجرين المسلمين انتماءهم إلى المجتمع الفرنسي، فإن الرد الأمثل المطلوب من قبل المسلمين الفرنسيين والمهاجرين ليس فقط في فرنسا وإنما أيضا في جميع الدول الأوروبية، قد يتمثل في الاستمرار في تقديم أمثلة راقية من المواطنين، الذين يتحملون مسؤولياتهم وفي الارتقاء بمستواهم الثقافي والعلمي لكي يبرهنوا على أنهم يشكلون مواطنين لا يختلفون عن باقي المواطنين، حتى وإن تمسكوا بعاداتهم وتقاليدهم الإسلامية، التي تسموا بسلوكهم على العكس مما يدعيه أنصار الإسلاموفوبيا والعنصرية
 الأوروبية.