التّجنيد الإلزامي

آراء 2021/09/25
...

 حسن عودة الماجدي 
 
لاشك أنّ التّجنيد الإلزامي هو خطوة على الطّريق الأمثل لتجسيد الوحدةِ الوطنيّة العراقيّة كما يجب، فضلاً عن العمق التّاريخي الّذي تشرّفت بهِ الدّولة العراقيّة في تأسيسها الأول وفي عهدها الملكي عام 1921م، إذ استعانت بالخبرات العسكرية الرّصينة من الضّباط العراقيين المنسحبين من الجّيش العُثماني بعد هزيمة دولة الرّجل المريض من العراق عام 1917 الى عراق الكبرياء والشّموخ، مّا جعل من سرعة تشكيل جيش وطني من أبناء العراق باليسر والإقدام، وفعلاً تم تشكيل أول فوج يسمّى «فوج موسى الكاظم» وهو النّواة الأُولى للجّيش العراقي، حيثُ تزاحمت الأعداد الهائلة، من الشّباب على دوائر التّجنيد لخدمة العلم، ونتيجةً لهذا التّطور الّلافت، تم تشكيل مراكز تدريب في جميع ألوية العراق «الاسم السّابق للمحافظات» لغرض الإعداد والتدريب وكذلك سنّ القوانين العسكريةِ المصاحبةِ لذلك التطور، والّتي تحدد العلاقةِ بين الرئيس والمرؤوس وفقاً لمنطق الضّبط العسكري، وإمّا قانون التّجنيد الإلزامي فهو يحدّد عُمر المكلّف بالخدمةِ «بـ 18 سنة فما فوق»، وللمتطوّع على بعض الصّنوف «بـ 16 سنة»، إذ إنّ القانون المشار إليه لا يستثني من العراقيين أحدا، مهما كان المركز الوظيفي والمعنوي للمشمول بخدمة العلم، وهذا إن دل إنّما يدل على أنّ وحدة العراق الوطنيّة قد إنصهرت أصلاً في بودقة الدّفاع عن حياض الوطن برمّته طيفاً وطائفةً وديناً ومذهبا من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، لكن المؤسف في إقامة هكذا مشروع في الوقت الرّاهن تعترضه عقباتٍ جمّة قد تؤدي إلى كبوته عاجلاً، ومن أبرزها الظّرف السّياسي العاصف وكذلك ما نسمع من هنا وهناك أنّ الأخوةَ الكُرد لم يسمحوا لِمُجَنديهِم التّواجد بالوسط والجّنوب من الوطن الواحد، وإنّما يدافعون عن بلدهم العراق بالقدر الحدودي للإقليم، وهذا ما يعزّز الشّرخ الأول الّذي يبدّد سمات التّكامل العسكري ونجاح هكذا 
مشروع.
امّا العوامل الأخرى الّتي تكبح جماح المشروع المرتقب أولها إنّ العراق قد بلغت نفوس مواطنيه أربعين مليون نسمة تحت ظرف إقتصادي سيئ، لا يحتمل الأعداد الهائلة من المجندين لخدمة العلم كما ينبغي، إذ تحتاج الأعداد المذكورةِ إلى مراكز تدريب ومدارس قتال حديثة تواكب جيوش ما حولنا، وكذلك مديريات إختصاص للصنوف المختلفةِ وآمريات للضّبط العسكري بإشراف مديريةٍ عامةٍ للتعبئةِ والإحصاء كالسّابق من مهامها التّنسيق مع دوائر التّجنيد ومواعيد الالتحاق لوجبات المكلّفين، وكذلك إحصاء عديد القوات العاملة والإحتياطيةِ ووضع الرّموز المشفّرةِ لكلِّ فرد في القوات المسلّحةِ في حالة دعوة النّفير العام، أمّا المعضلة الأكثر تحدّياً للمشروع هو التّسليح والتّجهيز والإعاشةِ والمستودعات الإختصاصية، وهذا الأمر من الصعوبةِ بمكان نجاح هكذا مشروع عملاق في ظل ما نراهُ في بلدنا حاضراً، نعم يمكن تجسيد الممكن عندما تنتفي المحاصصةِ والإرادات المناطقيةِ والمجيء بدولة المؤسسات الشّاملة للجغرافيا العراقية، ففي هذا الصدد نشاطر صاحب العمود على متن الصفحةِ الأولى لجريدة النّهار ليوم 
2 / 9 / 2021 في إرجاء العمل بالمشروع المزمع إلى اشعار آخر، والاعتماد على فتح باب التّطوع برواتب مناسبةٍ إلى حين إنجلاء غمامة التّطرف والمحاصصةِ والمحسوبيةِ والمنسوبيةِ وتقريب 
الموالين.