التصوير والنحت بين حضارتي وادي الرافدين والعرب ما قبل الإسلام

آراء 2021/09/25
...

 أ. د. نجاح هادي كبة 
شغف الانسان بالتصوير والنحت والرسم والنقش منذ عهود تاريخية سحيقة، لا سيما في حضارة وداي الرافدين، فقد صوروا الحيوانات على جدران الكهوف والمغارات، كمعادل موضوعي للخوف الرابض عليهم منها، وحاولوا من خلال محاكاتها بالتصوير والنحت أن يألفوا هذه الحيوانات ويبعدوا خطرها عنهم.
 
 بحسب تفكيرهم الميثولوجي  كما عبّر التصوير والنحت والرسم والنقش على قدرة جمالية، فضلا عن المنفعة الاجتماعية، اذ عكس تفكيرهم الاجتماعي والفني وعبّر عن تفاعلهم مع البيئة، فالفخار مثلاً كان «فناً اجتماعياً شأنه شأن الاختام الاسطوانية، لذلك تعبّر مشاهد ما يعرف بأشكال النسوة الراقصات التي رسمت بالألوان على سطوح الفخاريات السامرائية عن أن الصفة الابداعية للمشاهد المصوّرة على سطوح الفخاريات، لا بد أن تكون قد نشأت عن مشكلة اجتماعية»، «أ. د. زهير صاحب، فخاريات بلاد الرافدين عصور ما قبل التاريخ، دار الشؤون، بغداد، ط1، 2010م، ص:289». 
وقد عبّر التصوير والنحت عن حاجات دينية لدفع الخطر بالتضرع للآلهة عن طريق تقديم القرابين «فمن القطع النفيسة التي وجدت في الوركاء إناء من حجر المرمر كبير الحجم «محفوظ الآن في المتحف العراقي» وقد زيّن الاناء من الخارج بمشاهد منحوتة بالنحت البارز، تمثل موكباً من الكهنة العراة يحملون سلال القرابين الى معبد «إي - أنا» في الوركاء، كما ظهر فيه بعض الآلهة، وقد نحتت هذه الاشكال بمهارة فنية فيها واقعية التعبير»، «د. سهيل قاشا، عراق الاوائل، العارف للمطبوعات، ط1، 2010م، بيروت، ص: 152». كما عكس التصوير والنحت في بلاد الرافدين واقع الصراعات والمعارك ودور المرأة، وظهر ذلك في تصوير شخصية عشتار بوصفها شخصية انثوية في مجمع الآلهة الأكدي «ان عشتار هي الآلهة الرجولية للمعارك متلهفة الى الصراعات والدم، ففي النقوش البارزة، تمثل إذ ذاك بين أشكال اخرى واقفة وعلى ظهرها جعبتان وعلى جنبها سيف، وهي منتصبة فوق أسد تقبض على زمامه بيده اليسرى»، «رينيه لابات، تعريب، الأب أبونا، د. وليد الجادر، المعتقدات الدينية في بلاد الرافدين، مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية، 2013م، ص: 218». والشيء بالشيء يذكر «فقد أبدع اهل العربية الجنوبية في فن الزخرفة،. وفي حديث يوم الفتح انه لم يدخل الكعبة حتى أمر بالزخرف فنحّي وأمر بالأصنام فكسرت، الزخرف هنا نقوش وتصاوير، ومن النقوش التي عثر عليها في العربية الجنوبية نقوش حيوانات وأشجار وصور بشر حفرت على الاحجار والمعادن أو الاخشاب، وعلى ألواح من الجبس، استعملت في أغراض مختلفة للزينة، ومنها احجار منقوشة نقشت عليها عناقيد عنب وأغصان وأوراق، وما شاكل ذلك. وجد علماء الآثار أن بعضاً منها يعود عهده الى القرون الاولى من الميلاد»، 
«د. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام، آند دانش، ج8، ط1، 2006م، ص: 41». وفي تدمر التي يعود معظم النشاط العمراني والفني الى القرون الثلاثة بعد الميلاد «فان الآثار الفنّية، بالمعنى الاصلي للكلمة، كالكثرة الساحقة من الزخارف البالغة الفن، ظلّت ذات اسلوب شرقي أصيل، وأكثر التماثيل والمنحوتات الدينية والمدنية والصور الجدارية بقيت الى حد كبير خاضعة لقاعدة التوجه الى الامام والاعتماد على الخطوط الواضحة، والتأكيد على الوجود الروحي لكل شخص بمفرده في كل ترتيب فنّي دون الاهتمام بالتأليف الدراماتيكي لكل موضوع من المواضيع»، 
«د. هاشم يحيى الملاح، تاريخ العرب قبل الاسلام، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2008م، ص: 177». وحين يتقدم التاريخ الى ما قبيل ظهور الاسلام فأنه توجد في الحجاز «آثار من بقايا أبنية وتماثيل وكتابات مكتوبة، ومن تصاوير نقشت على الصخور تعبّر عن حالة النقّاش الذي نقشها، وهو من الأعراب، وفي جملة الصور مناظر انسان يصيد غزلاناً، أو يجاهد في قتل أسد أو حيوان مفترس، أو فارس قد امتطى ظهر فرسه أو مناظر قطعان حيوانات وحشية أو أليفة،. وهي تستحق الدرس وتوجب على عشاق الفن دراسة النواحي التعبيرية والفنّية»، 
«د. جواد علي، المصدر السابق، ص: 67». إن تاريخ الفن الرافديني والفن العربي ما قبل الاسلام سلسلة متصلة انعكست على مجال التصوير والنحت والنقش بصورة فنية رائعة.