علي حسن الفواز
السياسة ليست فنا سهلا، وربطها بالمصالح لا يعني تكريسا لسهولتها، بل سيجعلها أكثر تعقيدا، لكنها ستكون أكثر تمثيلا للواقع وللصراعات ولعلاقة تلك المصالح بمفاهيم السلطة والسوق والحرية والسيادة، والتي ستؤطر السياسة بتوصيفات وحسابات تجعل منها اشبه بحقل الالغام، أو حقل القمح، ومابين الحقلين هو مايستدعي المعرفة والفهم والمهنية والمسؤولية، حتى يدخل "السياسي" المهني الى فاعلية العمل، والى مسؤولية ادارة ملفاتها وصراعاتها، بعيدا عن لعبة "الهواية" والمغامرة، والتي قد تُفضي الى معطيات من الصعب ضبطها، فضلا عن نتائج يمكن أن تقود الصناعة السياسية الى الفشل والخسارة، والى انتاج سياسيين ينظرون الى فن السياسة وكأنه عملية جمع الطوابع، أو اصطياد الهواء.
حاجتنا الى السياسي، هي ذاتها الحاجة الى الاقتصادي والثقافي والامني والاجتماعي، لأن هذه الحاجات الكبرى هي مجال تأسيسي للدولة، ولحماية المجتمع، ولصياغة عقد حقيقي بين الناس ومؤسساتهم الحاكمة، فأخطاء السياسة قاتلة، لأنها ستؤدي الى الصراعات والحروب والى تخريب السلم الاهلي في المجتمع، وهو مايعني مسؤولية توصيف مهنية السياسي، وعلى اساس الكفاءة والخبرة والمعرفة والتدريب والتمكين، إذ هي ليست مجالا لـ"الهواة" او لأصحاب الغنائم الذين لا شأن لهم سوى تحويل الادارة الوظيفية التخصصية للسياسة الى ممارسة بيروقراطية من جانب، والى مجال لتعطيل ارادة العمل في ادارة البلاد وشؤون العباد من جانب آخر.
مع قرب موعد اليوم الانتخابي الحاسم، يكون هذا الكلام مبررا، للحديث عن السياسة، وعن ضرورة ان يكون الخيار الانتخابي مسؤولا، لمواجهة تاريخ من التردي، ومن الازمات، واستجابة لمسؤوليات وطنية واخلاقية وشرعية، تؤكد على اهمية أن يكون ذلك الاختيار امينا، وقرينا بالوعي، وبما يحمله برنامج هذا المرشح او ذاك من صدقية ومهنية، بعيدا عن اي حساسية أخرى، قد تكون باعثا على المكاره والمضار، وهو ما لا نريده للناس الذين يطمحون الى أن تكون هذه الانتخابات مفصلية، ليس في توقيتها، وفي كونها مبكرة، بل في معطياتها، وفي ما ينبغي أن تحققه من انجازات تؤسس لمستقبل عراقي جديد، ولسياسيين يدخلون البرلمان، ويشاركون في صناعة القرار، إذ لا مناص من التغيير، ومن تجاوز عقد الماضي، والبدء بمرحلة جديدة، قد تكون صعبة، ومعقدة، لكنها ستكون فاعلة على مستوى التأسيس، ومهنية على مستوى الاختيار السياسي الحقيقي في شرعته الوطنية والاخلاقية.